للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذهب إليهم فوجدوا عليه بعض علائم القلق وحثوه على أن يشرب ليصرف عن نفسه الهم فقال في نفسه: (إن قليلاً من النبيذ لا يتنافى مع الاعتدال) وهكذا شرب ممنون حتى سكر.

ودعي إلى اللعب بالأوراق فقال إن اللعب بها مدة يسيرة مع صديق لا يتنافى مع الاعتدال، وهذا اللعب من خير الوسائل لتمضية الوقت.

ولعب حتى خسر كل ما معه وهو أربعة أضعاف ما كان مستعداً ليلعب به.

ولسبب ما نشأ خلاف بين اللاعبين واشتد الخلاف فصار مشاجرة، فرماه بعض أصدقائه بصندوق صغير جرح رأسه وإحدى عينيه، فحمل الفيلسوف ممنون إلى منزله سكران مفقود إحدى العينين.

نام، ولما أبل بعض الابلال أرسل إلى مدير المصرف الذي يودع فيه أمواله يطلب ما يفي به ديونه في اللعب، فعاد الخادم وأخبره بأن المصرف أفلس بالتدليس وأن مئات من الأسر قد أصبحت في أشد حالات البؤس والفاقة، فكاد يذهل ممنون، وذهب إلى البلاط لرفع قضيته، وهناك وجد عدداً من السيدات وآخر من القسس ورأته إحدى صديقاته فصاحت: (مالك يا مسيو ممنون! كيف فقدت إحدى عينيك؟) ثم جرت دون أن تنتظر الجواب، فانتظر ممنون حتى الساعة التي يستطيع فيها الارتماء على قدمي الملك لبث شكواه.

وأخيراً جاءت تلك الساعة فقدم إليه عريضته، واستقبله الملك استقبالاً حسناً. ولكن كبير الأمناء صاح به بعد ذهاب الملك: (كيف تقدم عريضتك إلى الملك مباشرة دون تقديمها إليّ؟ وكيف تطلب المقاضاة على تفليسة شريفة ضد ابن أخت وصيفة زوجتي؟ إن هذا التصرف يدل على أنك لا تحرص على عينك الأخرى)

فعندما سمع ممنون ذلك - وكان إلى الآن عازماً على هجر النساء والتقليل من الطعام والشراب وترك المشاجرة - عزم أيضاً على الكف عن دخول البلاط وعن طرق سبيل القضاء لأن هذا سبيل ألحق به الإهانة وحرمه الأنصاف

وتصدع قلبه من الحزن فعاد إلى المنزل يائساً. ولكنه وجد المحضرين يشرعون في بيع أثاثه وفاء لديون دائنيه فوقع على الأرض في حالة تشبه الإغماء، ورأى في الطريق السيدة التي قابلها في الصباح مع عمها فضحكا منه ضحكة عالية.

وفي المساء صنع ممنون لنفسه وسادة من القش ونام بجانب الحائط، فرأى في الحلم تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>