الروح الفلسفية التي كان يتعشقها وهي روح من النور لها ستة أجنحة جميلة، ولكن ليس لها رأس ولا قدمان وهي لا تشبه شيئاً مما سبقت له رؤيته، فقال:(من أنت أيتها الروح؟)
قالت:(أنا روحك) فقال: (ردي إلي عيني وصحتي وثروتي وعقلي)
ثم قص عليه قصة يومه فقالت:(هذه حوادث لا تحدث في الموطن الذي أنا فيه).
قال:(وأين ذلك الموطن؟ فأجابته: (هو على بعد خمسمائة مليون فرسخ من الشمس، وهو موطن جميل. وليس هناك شياطين تغري ولا أصدقاء يجالسون المرء ليسلبوا ماله، وليس هناك من يخرقون عيون الناس، ولا إفلاس بالتدليس، ولا أمناء ملوك يسخرون ممن يطلب العدالة؛ وليست تخدعنا النساء لأنه لا نساء بيننا، وليس عندنا طعام ولا شراب، وليس عندنا تفليس لأنه لا ذهب عندنا ولا فضة، وليس لنا عيون تقلع لأن أجسادنا نورانية ليست كأجسادكم. وليس عندنا بلاط لأن الكل متساوون).
قال ممنون الفيلسوف:(إذا لم يكن عندكم نساء ولا طعام ولا شراب فكيف تقضون أوقاتكم؟)
قالت:(نحن موكول إلينا مراقبة دنياكم وقد جئت إليك لأعزيك).
قال ممنون:(ولكن لماذا لم تأتي بالأمس لتمنعيني من اقتراف ما اقترفت؟).
فقالت:(لقد كنت مع أخيك الأكبر (حسن) الذي كان في بؤس أشد من بؤسك لأن سلطان الهند أمر بقلع عينيه وهو الآن في السجن ويداه ورجلاه في السلاسل والأغلال)
قال:(وهل من العدل أن يكون اثنان من أسرة واحدة إحداهما أعور والثاني أعمى، وإحداهما ينام على وسادة من قش والآخر في السجن؟).
فقالت الروح:(إن حظك سيتغير سريعاً. نعم أن عينك لن تشفى ولكنك ستصير سعيداً إذا نزعت عن فكرك الرغبة في أن تكون فيلسوفاً كاملاً)
قال ممنون:(إذاً فذلك مستحيل!) فقالت الروح: (إنه لمن المستحيل أن يصير المرء كامل العقل كامل السعادة، فنحن أنفسنا بعداء عن الكمال مع أننا أرواح، وسيأتي عالم غير هذا العالم يكون ذلك كله ممكناً فيه. ولكن بيننا وبين هذا العالم مائة ألف مليون من العوالم يتدرج فيها المرء إلى ذلك العالم الكامل. وفي كل درجة من تلك الدرجات العالية تنقص الفلسفة وتنقص المسرات بالتدريج حتى يصير الناس في العالم الكامل كلهم بلهاء)