أراك امرءاً ترجو من الله عفوه ... وأنت على ما لا يحب مقيم
ندل على التقوى وأنت مقصر ... أيا من يداوي الناس وهو سقيم
وإن امرءاً لم يلهه اليومُ عن غد ... تخوَّف ما يأتي به لحكيم
وإن امرءاً لم يجعل البر كنزه ... وإن كانت الدنيا له لعديمُ
فغضب خزيمة وقال: والله ما المعروف عند هذا المعتوه الملحف من كنوز البر فيرغب فيه حر. فقيل له وكيف ذاك؟ فقال لأنه من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
وقد كان أبو العتاهية يجمع إلى أخذه بهذا التكسب الذهاب في البخل إلى حد مكن منه خصومه فشوهوا به زهده أيضاً، وله في بخله نوادر كثيرة، وأخبار مأثورة، قال ثمامة بن أشرس أنشدني أبو العتاهية:
إذا المرء لم يعتق من المال نفسَهُ ... تملكه المال الذي هو مالكه
ألا إنما مالي الذي أنا منفق ... وليس لي المال الذي أنا تاركه
إذا كنتَ ذا مال فبادر به الذي ... يحق وإلا استهلكته مهالكه
فقلت من أين قضيت بهذا؟ فقال من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت. فقلت له أتؤمن بأن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه الحق؟ قال نعم، قلت فلم تحبس عندك سبعاً وعشرين بدرة في دارك ولا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكي، ولا تقدمها ذخراً اليوم فقرك وفاقتك؟ فقال يا أبا معن والله إن ما قلت لهو الحق، ولكني أخاف الفقر والحاجة إلى الناس. فقلت وبم تزيد حال من افتقر على حالك وأنت دائم الحرص، دائم الجمع، شحيح على نفسك، لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد. فترك جواب كلامي كله، ثم قال لي والله لقد اشتريت في يوم عاشورا لحماً وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم، فلما قال لي هذا القول أضحكني حتى أذهلني عن جوابه ومعاتبته، فأمسكت عنه وعلمت أنه ليس ممن شرح الله صدره للإسلام
وحدث محمد بن عيسى الخزيمي وكان جار أبي العتاهية قال: كان لأبي العتاهية جار يلتقط