الجدة إلى الشاب نظرة المشغوف الظميء. . . ثم رددت طرفها في الفتاة كأنما استيقظ في فؤادها العجوز ماضيه الجميل الوارف المنَدَّى. . . المفعم بالمغامرات!!
وصَعّد الفتى والفتاة. . وظلت العجوز تتبعهما بعينها المشوقتين. . . وكانت الفتاة قد حَسَرت عن ساقيها خشية أن يصيب الوحل حاشية ثوبها الوردي الهفهاف، فبدا جزء عظيم من الساقين الجميلتين. . . وكانت تدلف أمام الفتى، فحسبت العجوز وغالت في الحسبة؛ ثم التفتت إلى حفيدتها تقول:(عجيب جداً أمر هذا الفتى وهذه الفتاة! كل يوم في هذه الساعة يقبلان إلى الجبل ويصعدان فيه، ويغيبان في الدوح. . إن هذا أمر يثير الشك، ويبعث على الريب! تُرى ماذا يصنعان ثمت؟ شاب ريان يتدفق الدم حاراً في عروقه، وله قلب ينبض بموسيقى الحياة، وفم تخرج منه الكلمات عذبة سحرية، وعينان زرقاوان ترتسم فيهما صوَرُ هذه الدنيا لا كما ترتسم في عينين سواهما. . . ووجه مشرق وثغر باسم. . . يخلو بهذه الفتاة في تلك الغابة لغير ما سبب! ومع ذلك فالفتاة غضة يانعة. تتأرج كما تتأرج الزهرة إبان الربيع ويتورد خداها كما تتورد تيجانه. . . يا للساقين!! أبداً لا يخلب ألباب الشباب مثلهما أبداً!!. . .)
ثم أفاقت الجدة من سكرتها فوجدت حفيدتها ذاهلة عن نفسها وقد أخذت القناديل الرائعة التي تحترق في سُوَيدائها تشع السناء من عينيها، وأرهفت أذنيها تتلقفان الكلام العجيب الحلو الذي كان يخرج من فم الجدة، والذي لم تكن الفتاة تحسن أن تقول مثله
- (تُرى؟ فيم تساؤل جدتي عن الفتى والفتاة؟ وفيم خلوتهما بين الأيك في مثل هذا الوقت من كل يوم؟ وأي شك يثيره أمرهما ثمة؟ شاب ريان! إلا ما أجمل هذا الوصف البديع وأنا أفهم أن يكون الإنسان رياناً، ولكن ما هذه الدماء الحارة التي تتصبب في عروق هذا الشاب؟! ذاك شيء غريب لا أفهمه! وهذه الموسيقى التي ينبض بها قلبه ماذا تكون؟ ولماذا تكون في قلبه موسيقى؟ ولم لا تكون الموسيقى في أذنيه كما هي في آذان جميع الناس؟ أية موسيقى هذه التي تكون في القلب يا ترى. .؟ وكلماته العذبة السحرية ما هي؟ قد تكون من صنف هذه الكلمات التي تقولها جدتي. . . إنها تكون جميلة جداً إذا استطاع الشاب أن يقول مثلها؛ وأحسبه لا يستطيع، لأن جدتي كبيرة، وقد قرأت كثيراً في الأدب، ووعت كل ما جاء في القصص. . . وأنا نفسي لا أشعر بأية طلاوة فيما ترغمني على قراءته لها في