هذا الكتاب العتيق الجاف، مع أنها تكاد ترقص طرباً عند بعض فقراته؛ ولا أدري لماذا تفرح بهذا الهراء السخيف الذي لا أفهمه. لقد قصت عليّ من أمر بكا شارب والفتاة المسكينة إيمي، وان قصارى حكمي على شارب أنها سافلة قليلة الأدب لأنها لم تحب زوجها كما أحب أنا أمي. وبمثل ذلك حكمت على هذا اللورد التاعس ليستر الذي ضحى إيمي ليتزوج الملكة. . . ولكن. . . لماذا حزنت إيمي؟ ولماذا أحَبَّته؟ هل كانت يتيمة ليس لها أم تحبها ولا أب تحبه؟ ولكن هذا كله ما قيمته إذا قيس بالموسيقى التي ينبض بها قلب الشاب. . .)
ومرت هذه الخواطر كلها في قلب الفتاة في اللحظة القصيرة التي تلت صمت الجدة، ثم سألتها حفيدة في سذاجة الصبي وطهارته
- (بالله يا جدة! ما هذه الموسيقى التي ينبض بها قلب أحد من الناس؟)
وانفرج فم العجوز عن ابتسامة كبيرة، ثم ربتت بأناملها المرتجفة على خد الصغيرة، وقالت لها:(أقرئي)، وأطاعت الفتاة، وراحت تقرأ الببغاء، ولا تكاد تفقه شيئاً مما تقرأ
واعتدل الجو، وسكنت الريح، واعتز النبات ينفض قطرات المطر كالطيور الصغيرة. . . وانتشرت عصافير السنونو في السهل الفياح توقع على شجيراته ألحانها، وأشرقت الشمس لتشترك في مهرجان الطبيعة بآرادها الذهبية الناصعة. . . ولبثت العجوز تنتظر عودة الفتى والفتاة بنفس مشوقة وقلب خفِق، حتى أقبلا آخر الأمر، وفي وجه الفتى صُفرة وفي ساقيه رجفة، وقد مشت الفتاة هذه المرة في إثره، لا تعرف العجوز لماذا. . .
ولا جاوزا أرسل الفتى نظرة وسنانة من عينيه النافذتين ناحية فتاتنا حفيدة العجوز. . . ثم مضى في سبيله حتى كان في سفح الجبل. . وهنا نهضت عجوزنا مهرولة إلى السفح كذلك، وحفيدتها تتعثر في خطاها خلفها، وفي قلبها سرب من الهواجس عن هذه الموسيقى التي تستطيع القلوب أن تنبض بها. . . ثم عن هذه النظرة التي رمقها بها الشاب العابر، والتي لم تعرف بم تفسرها. .
(إنه شاب ريان كما ذكرت جدتي، وإن له لعينين نفاذتين كما قالت. . . ولكن لم ألمسه حتى أحس دمه الذي يتدفق في عروقه فأعرف إذا كان حاراُ حقاً. . . وكذلك قلبه الذي ينبض بالموسيقى. . . لابد لكي يسمعها الإنسان من أن تكون له (سماعة) طبيب أو على