الأقل، لابد من أن يضع الإنسان أذنه فوق صدره، ليعرف ما هنالك. . على أن وجهه أصفر كاللوتس. . فما السبب يا ترى؟ هل هو مريض. . .؟)
وظلت هذه الهواجس تضطرب في صدرها، وجدتها تنهب الطريق في إثر الفتى والفتاة، حتى إذا كانت حذائهما، أقرأتهما سلاماً جميلاً، فرداه احسن رد وأطيبه، وافتر فم الشاب عن ابتسامة حلوة حيا بها الفتاة. . . فلم تدر كيف ترد عليه ابتسامته. . .
وجلست الفتاة تقرأ لجدتها في ضوء مصباح عليل. وجدتها ما تلبث أن تتثاءب وتتثاءب. . . وحتى تضايقت حفيدتها من ذلك ولم تبال أن تقول:
- إذن نبقي القراءة إلى الصباح يا جدة، ولابد أن تذكري لي شيئاً عن هذه الموسيقى العجيبة التي تنبض بها القلوب
فقهقهت الجدة حتى بدت نواجذها وقالت: هل تذكرين حينما كنت أزوركم وذهبنا في المساء إلى (السرك)؟ فلما انتهت الموسيقى قلت لكم إنها لِبَاخ؟) فعبست الفتاة، وقالت:(ومن باخ يا جدة؟) فأجابتها: (موسيقي عظيم يا تلدا) فقالت تلدا: (وما شأنه فيما سألتك عنه؟) فقالت الجدة: لقد كان باخ يوقع على بيانه بأنامله، وفي الحقيقة لقد كان يوقع عليه بقلبه؟) فتجهمت تلدا وقالت:(تعنين أنه كان يتكئ على البيان بصدره؟ فتضاحكت العجوز وزجرت تلدا، ثم قالت لها: (هذه يا تلدا أشياء كالعلوم التي تتلقنينها في المدرسة، هل تستطيع فتاة في السنة الأولى أن تفهم درساً من دروس السنة الخامسة؟) فهزت الفتاة رأسها الجميل وقالت: (طبعاً هذا غير ممكن!) فقالت الجدة: (فهذا مثل ذاك يا بنية!) ثم أمرتها أن تقرأ، ففتحت الكتاب وما كادت تقلب صفحاته باحثة عن الباب الذي كانت تتلوه، حتى تثاءبت جدتها بشدة، فجعلت تلدا تقلب وتقلب إلى أن أغمضت العجوز عينيها، وألقت على سنادة الكرسي رأسها، وغطت في سبات عميق
وقذفت تلدا الكتاب على سريرها، ثم انطلقت إلى مكتبة جدتها فجعلت تقلب في الكتب، وتنظر إلى الرسوم والصور، حتى عثرت آخر الأمر على قصة دانتي الرائعة المسماة (الكوميديا الإلهية)، وكانت نسخة هذه القصة مصورة حافلة بالرسوم الزاهية بالألوان الطبيعية. . . فجلست تتفرج بها، وتنعم النظر فيها، حتى اهتدت إلى الصورة الخالدة الباهرة، صورة بوْلو وفرنشسكا، وهما متعانقان في الجحيم، وقد انطبق فم بولو على ثغر