ويملك على عقله التناقض حتى في الفكرة الواحدة. وإنما الأجدر بنا أن ندرس من فلسفته (الناحية الفردية والشخصية) وهي أبرز نواحي فلسفته جلاء وقوة، لأنها ابنة طبع خاص، وهوى صادق مستقيم إن فلسفة (نيتشه) فلسفة تتجلى فيها (الذاتية) المنقطعة عن الناس. (ماذا يقول لك شعورك؟ يجب أن تكون كما أنت! فينبغي للإنسان أن يعرف نفسه وجسده وحواسه، وأن يمشي بحياته كما تريد ذاته وشخصيته، وأن يغتنم من الفرص أحسن ما يغتنم، ومن المصادفات ما يحقق مطامعه، وبقرب غايته. وأن يصحح - بقدر ما يستطيع - هذه الطبيعة بالفن، ليتسنى له أن يظهر ذاته ويبعث حياته. كلٌ يغترف من هذا المذهب بحسب غريزته وطبيعته؛ إذ لا قواعد ولا أساليب محدودة تصنع لكل إنسان نفسه. فمذهب (عدم المساواة) بين الناس هو من مبادئ نيتشه. إذ ينبغي لكل إنسان أن يخلق بنفسه حقيقته وهدفه وفضيلته؛ فما كان صالحاً للواحد قد يكون ضاراً للآخر. وما كان ضاراً للواحد يكون صالحاً للآخر. وكل ما يستطيع المؤرخ أن يصنعه هو أن يقص تاريخ نفسه، والطريقة التي اكتشف بها نفسه، والإيمان الذي وجد به راحة نفسه. وأن يكون المثال الذي يقتدي به معاصروه للوصول إلى عوالم أنفسهم. . . . ولكنه ليس له بعد هذا كله من مذهب أو من طريق. لأنه لا يود أن يكون راعي قطيع خاضع ذليل
(يقول (زرادشت) لرفاقه الأمناء: (إنني وحدي أذهب يا رفاقي. . . وأنتم وحدكم اذهبوا. . . أنا أريد ذلك
في الحقيقة أعطيكم هذه النصيحة. ابتعدوا عني كثيراً، واحموا أنفسكم من زرادشت. . . وخير لكم أن تخجلوا منه
أنتم تقولون: إنكم مؤمنون به ولكن ماذا يهمه إيمانكم؟ أنتم المؤمنون به، ولكن ماذا يهمه كل المؤمنين؟
أنتم لم تفتشوا بعد عن أنفسكم، ولذلك وجدتموني. هكذا يقول كل المؤمنين، ولهذا أرى أن كل إيمان هو شيء ضئيل. والآن آمركم بأن تفقدوني لتجدوا أنفسكم، وعندما تكفرون بي أعود إليكم في تلك الساعة. . .)
يتميز تيتشه من أصحاب المذاهب الفلسفية بأنه لا يخاطب العقل وحده كما يفعلون، بل يخاطب الإنسان بأسره عقلا وجسداً. فما التفكير عنده والعاطفة إلا أهواء تعبث بها قوة