خفية كامنة تصرفها كما تشاء إلى أين تشاء. (إن وراء أهوائك وعواطفك - يا أخي - سيداً (قادراً) وعاقلاً مجهولاً يسمى (الذات) يسكن جسدك، وإنما هو جسدك، فالجسد بما يضم من أعضاء وبما يحتوي على إرادة القوة، ذا ما يدعوه نيتشه (العقل الكبير للإنسان) وأن العقل الحقيقي - وحده - ناقص سريع العطب. تستعين به الذات على بسط قوتها ونفوذها. فإذا أراد إنسان أن يؤثر في آخر فبهذه الذات الخفية وحدها يمكنه أن يؤثر. وكل شيء سواها باطل. ومن اللغو أن تعرض مذهباً فلسفياً بالطرق المنطقية، أو تحدد العقل بالمقاييس التي اخترعها العقل. وإنما هذه الأحكام المنظمة (مجموعة التقاليد المقدسة) محددة الخير والشر، والجميل والقبيح، هي أحكام موضوعة لا ظل لها من حقيقة، ولكن الإنسان هو واضعها ومقدسها. وخيرهم من ساعد على نشر (ذاته) وشخصيته. فالكتاب - مثلاً - إن هو إلا فعل يقوم بقيام شخصية صاحبه، وبكيانه الكامل. فهو ليس بمفكر فحسب بل هو نبي. . . لا يقول للناس (أنا أحمل إليكم الحقيقة العالمية غير المتعلقة بذاتي. ولكنه يقول (ها أنا بما فيّ من إيمان وحقيقة وخطأ، كما أنا. أقول (نعم) للكون، لكل أفراحه وآلامه. فانظروا إن كنتم تجدون أيضاً سعادتكم في هذه الآراء التي وجدت فيها سعادتي)، وبينا يروح غيره من الفلاسفة متباهين (بانسلاخهم عن شخصيتهم نرى نيتشه يجعل من شخصيته مدار فلسفته. . . فلسفته في الحقيقة هي تاريخ نفسه. وزرادشت النبي الذي يكتب عنه بلهجة شعرية مؤثرة هو ذات نيتشه بما يجول في ذاته من رغائب وآمال وأحلام ومن لم يفهم شخصيته لا يفهم فلسفته
- ٣ -
صفحة من حياته الأولى:
ولد نيتشه عام ١٨٤٤ من أسرة يعتقد بأنها أسرة بولونية قديمة ألجأها إلى ألمانيا ما ألجأها. نراه في حداثته مثال السيطرة والاعتماد على الذات وقهر الآلام الجسدية. وقد كان كثير الوفاء والاحترام لأصدقائه برغم ميله الطبيعي إلى العزلة، صارماً في معاملته. لا يميل إلا إلى من يلائم هواه ويوافق مزاجه ولا ينفر إلا ممن طغت الرداءة والشراسة على خلقه. صارم في حديثه، جاد في مزحه. لا يهوى المزح الكاذب مهما كان عنصره. لأن خروج