عرض عيوب الناس ومقابحهم، يلتمس العذر لأهله، وينظر إلى المخطئ والمسيء نظرة الطبيب إلى المريض.
أراني استطردت إلى شئ من قبيل النظرة الدراسية التي لا يتسع لها المجال، وإنما أردت أن أبين أثر فقيدنا الراحل في هذا الجيل الأدبي وفي واقع حياة الناس. ولست بحاجة إلى بيان صفاته الإنسانية التي هي صفات الأديب المطبوع، المتسامي عن سفساف الناس، الساخر من غرورهم، الزاهد في زخرف الحياة، العازف عن أباطيلها.
تخرج المازني في مدرسة المعلمين العليا، واشتغل بالتدريس حيناً في مدارس الحكومة، ثم تمرد على تسلط المستعمرين وأذنابهم في ذلك الحين، فاستقال، واشتغل بالتدريس أيضاً في بعض المدارس الأهلية، ثم خلص للكتابة والصحافة فقضى فيهما أطول مرحلة من حياته العلمية، وكان يكتب في الأدب والاجتماع والسياسة، وقد تميزت كتابته في السياسة بالكياسة والنظرة القومية.
وقد لقي المازني عنتاً وشقاء في بعض أيامه الأولى، حتى اضطر إلى بيع الكتب التي تحويها مكتبته. وابتسمت له الأيام في العهد الأخير، ولكن هذا الابتسام كان افتراراً يسيراً مقتصداً فقد كان الرجل يحمل عبء العيال، وكان يضطر إلى كثرة الكتابة ليواجه تبعاته، حتى كان يكتب بعدة صحف ومجلات في وقت واحد. ولم يكن شيء من ذلك يبلغ حد التقدير الذي يستحقه هذا الرجل العظيم الذي عزف عن المناصب الحكومية التي ارتقى إليها من دونه، وظل يكافح ويستنبط رزقه بقلمه حتى أسلم الروح.
إن الفجيعة بفقد المازني، هي فجيعة الأدب في الأديب الحر الصادق، وفجيعة الحياة الإنسانية في هذا الإنسان الكريم، وفجيعة مصر وكافة أقطار العروبة في الكاتب العظيم.
أبو شادي العجيب:
كتب الأستاذ مصطفى أمين بك صاحب (أخبار اليوم) بعد رحلته في أمريكا - أن الدكتور أحمد زكي أبو شادي الطبيب والشاعر المصري الذي يقيم الآن في نيويورك، نشر سلسلة مقالات في جريدة (الهدى) التي تصدر في نيويورك هاجم مصر فيها هجوماً عجيباً! وأنه تقدم إلى الحكومة الأمريكية يطلب التجنس بالجنسية الأمريكية. .
وأبو شادي هذا سافر إلى أمريكا منذ سنوات، معلناً أنه لن يعود وأنه يبقى هناك حتى