للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعضاؤه المتعصبون لا يتناسون ما يدب في صدورهم من البغض للمسلمين، فهضموا حقوقهم الأكيدة، وأشاعوا عنهم المفتريات الآفكة، فكانت الفتن الأهلية تندلع في كل وقت مستمدة وقودها المتأجج من الأقلية المهضومة، والحاكم الإنجليزي لا يتوانى عن إشعال الضرام ما استطاع، ليقيم دعائمه الاستعماري على الخلاف الديني والنزاع الطائفي، ولم يجد المسلمون بداً من تأسيس رابطة جامعة تفند مفتريات الهندوكيين، وتقوم بما تراه من الإرشاد والتوجيه

كانت الطائفة الإسلامية تضم نخبة ممتازة من الأحرار الأمناء، وكان الفقيدْ العظيم يبذل لها ما يملك من فكر ثاقب، وقلب جريء. ولا غرو فقد تثقف ثقافة عالية، ونال شهادة الحقوق من إنكلترا، ثم تقلد مناصب قضائية أبرزت جانباً كبيراً من مواهبه وكفايته، واشتغل بالمحاماة فطارت شهرته وذاع صيته. هذا إلى جانب خدماته السياسية المجيدة، تلك التي جعلته - فيما بعد - قائد أمة، وزعيم دولة، ورجل تاريخ، وصاحب خلود.

كانت نفس جنه غنية بكثير من التسامح والود فلم يشأ أن يقطع صلته بحزب المؤتمر بعد تكوين الرابطة الإسلامية، ولكنه ظل منتمياً إليه ليقوم بدور السفير في تسوية ما يجد من تعارض الآراه، واختلاف وجهات النظر. ولعله كان يطمع بتسامحه أن يكون مثلا ملموساً لأعضاء المؤتمر، كيلا يفرطوا كثيراً في المغالاة والتعصب، ولقد وفق بادئ الأمر في سفارته توفيقاً محموداً، حيث عقد اتفاق (لكنو) سنة ١٩١٦ وبمقتضاه قدمت من الحزبين مذكرة مشتركة إلى الحكومة البريطانية تطلب منح الهنود قسطاً من الحكم الذاتي.

ولقد ضاق الزعيم ذرعاً بتعصب الهندوكيين، ويئس من اقناعهم بالعدول عن التعسف الشنيع فاستقال من حزب المؤتمر وهيأ نفسه للعمل في طريق شاق تكتنفه المخاوف والمكاره، حيث كانت الطائفة الإسلامية تتلقى ضربات مختلفة من عدة جهات: فالمؤتمر - بأعضائه المتغطرسين - يؤلب عليها النفوس، وحزب (مهاسبها) الذي ألف لمحاربة الرابطة الإسلامية يزاول مهامه الإجرامية في بربرية وحشية، فكانت المذابح الهائلة تسيل بالدماء على أيدي جنوده المتوحشين، وقد أعلن في غير مبالاة أن المسلمين ليسوا من الهند، فهم دخلاء يجب أن يرحلوا إلى البلاد العربية التي تعترف بدينهم الإسلامي. ولا نبالغ إذا قلنا إن الأرواح التي أزهقت في الهند كانت من جراء هذا الحزب البربري الهائج، ولولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>