ولما قامت البلشفية على أنقاض الحكم القيصري خمدت الجذوة المتوهجة بلهيب الفن، لأن صاحبها قد انتقل من الجحيم إلى النعيم. ويقرر بعض النقاد المعاصرين وعلى رأسهم هربرت ريد أن كتابات مكسيم جوركي في أيام بؤسه وشقائه، لا يمكن أن ترقى إليها كتاباته في أيام الترف وإقبال الحياة. . .!
وهكذا كان حافظ إبراهيم في الأدب المصري. . . كان شعره يتدفق من أعماق الحرمان قوياً، صادقاً، معبراً، نابضاً بالحياة؛ فلما دفع به إلى دار الكتب وذاق جيبه طعم الذهب، واستمرأت نفسه حياة النعيم، نضب فيه معين الشعر وجف نبع الشعور. . ولما حاول بعض عشاق فنه أن ينطقوه كان قد أصفى!
إن العبقريات كما قلت معادن. . . بعضها يتوهج في ظلال الترف والنعيم، وبعضها يتأجج في رحاب الفاقة والحرمان، وبعضها يخبو بريقه إذا ما انتقل من حال إلى حال؛ وتلك أمور نقررها على هدى الدليل وفي ضوء المثال.