للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والطيبات من الرزق)؟ وإذا جرت عليهم الأقدار يوما بحرمان، فحالت بينهم وبين ما يشتهون، نسوا رأيهم القديم واصطنعوا لهم في الدين رأيا جديداً، فتظاهروا بالتقشف كذبا وتحدثوا عن الزهد باطلا ورياء، ورددوا قول الرسول: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء) وهكذا يظل ذلك الفريق مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!

فهل يقال مع ذلك الاختلاف إننا قد اتفقنا على فهم الإسلام وتحديد مغزاه؟!

وهناك اختلاف كبير آخر حول الإسلام الغريب في بلاده فقوم ذوو بصائر يؤمنون بالإسلام ديناً ودولة، وقيادة وسيادة، ويجاهدون في سبيل ذلك بما يملكون، ويذوقون من أجله ما يذوقون، وينفسح أمامهم الطريق فيسيرون، وتحوطهم ظلمات البغي فيصبرون، وبجوارهم قوم آخرون أقل منهم قدراً واضعف شأناً، فهم يؤمنون في قرارة نفوسهم بأن الإسلام هو صمام الأمان ومضخة الإطفاء، وزورق النجاة وقارورة الدواء؟ ولكنهم خاشعون قانعون شغلتهم بوارق من دنياهم عن تبعات جلى تناديهم وخافوا الناس والله أحق أن يخافوه، فتراهم يسكتون ويسالمون ويتابعون وإن انطوت نفوسهم على غير ما يظهرون.

وفي مقابل هؤلاء وهؤلاء قوم ارتفعوا وامتلأوا وعلوا سواهم وهم يرون في سيادة الإسلام الصحيح عليهم وعلى غيرهم من الناس حداً من شهواتهم، ومقاسمة منه في بعض أموالهم، وتسوية لهم بغيرهم، ومؤدبا لجبروتهم وطغيانهم، وهم قوم قد استلذوا ما هم فيه سادرون، واشتروا الضلالة بالهدى، وآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وإذن فليكونوا حربا على الإسلام، وعلى كل من يدعو إلىالإسلام. . .

وتراهم في خبثهم يعملون جاهدين لكي يقتصر أمر الإسلام على ركيعات تؤدي أو خطبة تقال أو احتفال يقام، وكان الإسلام عندهم كهنوتية بالية أو رهبانية فانية؛ مع أنه جاء ليكون مصباح الظلام ومصدر الأحكام ومعقد الزمام: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من ابتع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأدبه، ويهديهم إلىصراط مستقيم).

أفيقال بعد ذلك الاختلاف المبين إننا متفقون على معنى الإسلام؟

يجب أولا وقبل كل شيء أن نتفق في الإسلام على كلمة جامعة مانعة بعد أن ننفي عنه ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>