للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بكل تقدير. ولكن ظروف هذا الحفل كلها كانت تنم عن تغلب هذه الاعتبارات الخاصة في إقامته وفي تنظيمه؛ وهي ظروف واعتبارات شعر بها ولاحظها وأسف لها جميع إخواننا مندوبي الأقطار العربية الذين شهدوا هذا الاحتفال.

وبعد فهل نسي أحد قصة مثّال مصر العظيم مختار وما جنته الاعتبارات السياسية على شخصه وفنه أثناء حياته ثم بعد وفاته؟ لقد قضى مختار معذباً منسياً مهضوم الحقوق، لا تحفل الحكومة بأمره، ولا تذكر أن له فناً وآثاراً رفعت اسم مصر عالياً؛ وحذت الهيئات العلمية والأدبية حذو الحكومة في تناسي مختار وفنه وذكراه.

وهذا الروح المعيب يكاد يتغلغل في جميع الهيئات المصرية، رسمية، وغير رسمية. وفي كل يوم ترتكب في ظله وتحت تأثيره تصرفات يأباها العلم والأدب، وتأباها اللياقة والذوق السليم. وكثيراً ما تجني هذه التصرفات على العلم والأدب، وحقوق العلماء والأدباء. والأمثلة عديدة معروفة لا يتسع المقام لذكرها، والتبعة في ذلك لا تقع على الهيئات الرسمية أو الحزبية وحدها وإنما تقع أيضاً على الهيئات العلمية والأدبية نفسها، وعلى العلماء والأدباء أنفسهم. أما تبعة الهيئات، والهيئات الرسمية بنوع خاص، ففي إنها تمزج بين السياسة والأدب عن عمد وتدبير، وتخضع الأدب والعلم لمؤثرات السياسة وهواها؛ هذا مع إن التفكير والأدب تراث قومي عام، بل هما تراث إنساني يرتفع فوق جميع الاعتبارات والمؤثرات الحزبية والمذهبية. ومن واجب الحكومات والهيئات المستنيرة أن تقدر هذا المبدأ وأن تحترمه دائماً. وإنما تبعة الهيئات العلمية والأدبية والعلماء والأدباء، ففي أنهم بجمودهم وتقصيرهم يشجعون على تلك التصرفات المغرضة المعيبة، وأحياناً يساهمون في ارتكابها متأثرين بنفس تلك الاعتبارات التي يجب عليهم أن يحاربوها بكل قواهم.

لقد جنت هذه الاعتبارات والمؤثرات على تفكيرنا وأخلاقنا وأصابت حركتنا الأدبية بكثير من ضروب الفساد والشر، وكانت هيئاتنا الرسمية والعامة دائماً في ذلك قدوة لا تحمد. وما زلنا منذ أعوام نعاني هذا الإفساد ونستكين له. أفلم يحن الوقت إذاً لكي نحارب هذا التيار الخطر ونعمل على إقناع حكومتنا وهيئاتنا العامة بأن الحركة الأدبية يجب أن تحرر من تلك المؤثرات والاعتبارات الخاصة، وإن التراث الفكري والأدبي يجب أن ينظر إليه لذاته، وإن من حق المفكرين والأدباء أن ينالوا دائماً، أثناء حياتهم وبعد مماتهم، من رعاية

<<  <  ج:
ص:  >  >>