بقية المناسبة)، ثم قال: والمعلوم أن سورة الشمس سابقة لسورة الليل في الترتيب لا في النزول، إذ أن سورة الليل نزلت بعد سورة الأعلى (لعله يريد أن يقول إن سورة الليل نزلت قبل سورة الشمس)، وبذلك يكون لا محل هنا لذكر المناسبة التي ذكرها الإمام. أما المناسبة فلما كان المقسم عليه هو تقرير اختلاف سعي الناس في الحياة اشتملت صيغة القسم على أشياء مختلفة لتركيز المعنى المقصود في عقول المخاطبين. . فقد أقسم بالليل والنهار في قوله (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) وهما مختلفان - كما أقسم بخالق الذكر والأنثى في قوله (وما خلق الذكر والأنثى) وهما مختلفان أيضا، كأنه يريد أن يقول لهم:(إن اختلاف سعيكم في الحياة مؤكد تأكيد اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى. .) اه
وأعود فأقول إن الكاتب قد وهم في رد ما قرره الأستاذ الإمام، إذ توهم أن ترتيب السور مبني على ترتيب النزول وأن المناسبة بينها تتبع ذلك، وإذ ئوهم المناسبة بين المقسم عليه والقسم مناسبة بين السورتين، فالتبس عليه الأمر. ووهم أيضاً في زعمه أن المقسم عليه هو تقرير اختلاف سعي الناس في الحياة فحسب، وأن الغرض من القسم تركيز هذا المعنى المقصود في عقول المخاطبين. ذلك بأن المقسم عليه هو الإجمال والتفصيل معا في قوله تعالى (إن سعيكم لشتى، فأما من أعطى واتقى). . الخ، وأن المقصود من القسم هو تقرير المعنى الإجمالي والتفصيلي في النفوس وتأكيده حتى لا يرتاب أحد في أن عواقب الخير والجزاء عليه ليست كعاقبة الشر وجزائه. وقد أوضح الأستاذ الإمام هذا المعنى أتم إيضاح إذ يقول:(فإن خطر لك سؤال كيف يقسم سبحانه على أن سعي الناس شتى مختلف مع أن هذه القضية بديهية لأن جميع من يفهم الخطاب يعلم أن مساعي الناس وأعمالهم مختلفة متنوعة إلى هذه الأنواع التي ذكرت، ومثل هذا الخير البديهي لا يحتاج إلى تأكيد، بل الإخبار به غير مقيد - فإني أجيبك أولا بأن المقسم عليه هو الإجمال والتفصيل معا؛ ولا شك في أن الوعد على الإعطاء والتقوى والتصديق بالحسنى بالتيسير لليسرى، والوعيد على البخل والاستفناء والتكذيب بالحسنى، بالتيسير للعسرى، يحتاج إلى تأكيد، فيكون التأكيد لمجموع الأخبار للأول منها فقط). . فما ذكره الكاتب من الرد والتعليل بعيد عن الصواب.