للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذ آخر أمره استبداد طائفة من الشعب بأفراد الأمة كلها على صورة قانونية

كما شعر الشعب نفسه، صاحب هذا النظام، بعدما ملك بيده زمام الأمر أن إقصاء صاحب الحق الشرعي في سيادة الدولة وهو القيصر، كان من الأسباب التي سولت لكثير من أفراد الشعب بأن له حقاً في الرياسة العامة إذ أنه يملك القسط المشترك وهو المعنى الشعبي الذي يخول له هذا. فالخصائص الأخرى في نظره عديمة الأهمية أو يجب ألا يكون لها اعتبار

ومن هذا الشعور النفسي تولدت هذه الثورات الداخلية في السوفييت الروسي، وسيستمر لهيبها ما بقي هذا الشعور، وسيظل باقياً مادام مبدأ الشيوعية يعتقد أو بمعنى آخر مادامت هذه الفئة الشعبية تملك قوة تسيطر بها على النفوس

وإذن فالمبدأ الشيوعي لا يتفق مع فطرة الجماعة الإنسانية التي لا تخضع بطبيعتها إلا إلى واحد منها تعتقد فيه مزايا لا تتوفر لكل فرد من أفرادها، وخصائصه تعلو به عن طبيعة الإنسان العادي؛ كما لا يتفق مع طبيعة الأفراد التي لا يمكن أن تكون من نوع واحد؛ فمساواة إنسان بآخر مساواة مطلقة في كل مرافق الحياة إجحاف بأحدهما لا محالة، وإنكار للقوة الكامنة في إنسان دون آخر وهي التي قد تخلق منه شخصية بارزة في أية ناحية يفضل بها غيره

إذن فهو نظام (أوتوماتيك) يحاول أن يخلق من جماعة البشر أعضاء لا إرادة لهم إلا ما يريده مباشر السلطة العليا ولا حياة لهم إلا في ظل الضغط. يريد أن ينشئ من الشعب آلات مسخرة للإنتاج العام، وأن يكون منه جبهة لمقاومة كل نظام آخر يقوم على المبدأ الوطني ويقر بشيء من حقوق التملك للفرد

فغايته إزالة الفوارق الاجتماعية والمالية والطبيعية أيضاً بين الأفراد، ثم قيام الدولة وبعبارة أخرى مباشرة الهيئة الحاكمة بأمرها - وإن زعمت أنها تحكم باسم الشعب - للإنتاج الاقتصادي. وفوق ذلك فهو يرى أن له رسالة عالمية تتمم غايته وهي حمل الشعوب الأخرى على قبول هذا المبدأ الفوضوي

ومحاولة الوصول إلى هذه الغاية إما مستحيلة من الوجهة العملية كإزالة الفوارق السابقة، وما النداء به إلا إغراء للطبقات الشعبية فقط، أو اعتداء بينٌ على الحقوق الطبيعية لأفراد الشعب فضلاً عن الإخلال بحقوق الجوار والتدخل فيما هو من اختصاص الدولة الأخرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>