وليس من أحب المواقف إلى النفس أن يكتب كاتب يريد الإنصاف عن أديب تعددت فيه مذاهب الرأي، وأحيط علمه وعرفانه الألمانية والروسية وقيم شهاداته العلمية بكثير من الشك.
نعم، ليس الكلام عن أدهم سهلاً ولا ليناً، ولا مما يرتاح إليه بعض الناس ممن يرون فيه رأياً خاصاً، ويذهبون في الحكم عليه مذهباً معيناً.
على أن الناقد لا يتقيد بما يتقيد به سائر الناس، ولا يخضع نفسه لعاطفة ثائرة قد يكون لها أثر سيئ في الحكم على المنقود. فلقد كان في أبي العلاء المعري شك وسخرية وجرأة على الأديان، إلا أن ذلك لا يمنع من وضعه في المنزل الخليق به في أدب العرب. أما المتزمتون الذين يتحرجون حتى من حفظ شعر لأبي العلاء لرميه بالزندقة، فأولئك قوم لا نكتب لهم، ولا نود أن يقع حديثنا في أيديهم. . . . . .
على أن أدهم - كما قلنا - قد مات وراح في الطريق الذي نروح ونغدو له في الحياة. . . وراح معه شكه وإلحاده ليلقى بهما وجه الله الذي سيرى عنده اليقين. فمن السخف أن نغضب ونسخط على أدهم، لأن الله لم يهده كما هدى غيره. ومن الرحمة أن نرثي لأدهم بسبب هذه الحيرة السوداء التي سودت عليه آفاق الطريق. وقد يكون من المفيد أن يتفضل أحد الباحثين بمعالجة هذا الموضوع - موضوع إلحاد أدهم - والكشف عن بواعثه والظروف التي هيأت له، مستعيناً في ذلك بما كتبه هو عن نفسه في كتابه (لماذا أنا ملحد؟)
يجد المتتبع لأسلوب أدهم أنه لم يسلم من وقوع الأخطاء النحوية فيه. وكان أصحاب الصحف والمجلات التي ينشر فيها يعانون كثيراً في سبيل إصلاح هذه الأخطاء وردها إلى وجه الصحة. على أن أدهم في مباحثه الأخيرة قلت عنده هذه الأخطاء ولكنها لم تنعدم انعداماً تاماً.
وكان خصوم أدهم يجدون في هذه المآخذ وفي غيرها فرصة للتعريض بقيمة ما يكتبه. على أن ذلك عند المنصف لا يحط من القيمة العلمية لمباحثه.
وضعف إسماعيل أدهم في قواعد العربية من السهل رده إلى نشأته في بيت غريب عن العربية. وكان للسنوات التي قضاها في تركيا كما نعرف - وفي روسيا كما يقال - أثر في زيادة هذا الضعف. إلا أنه بدأ منذ النصف الأول من عام سنة ١٩٤٠ يفطن إلى أخطائه.