للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أول مجالس جامعية حقة عقدت بالجامع الأزهر.

والظاهر أن ابن كلس كان أول من فكر في جعل الجامع الأزهر معهداً للدراسة المنظمة المستقرة؛ وعلى أي حال فهو أول من فكر في تنفيذ هذا المشروع الجامعي؛ ففي سنة ٣٧٨ هـ استأذن ابن كلس العزيز بالله في أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للقراءة والدرس يحضرون مجلسه ويلازمونه، ويعقدون مجالسهم بالأزهر في كل جمعة من بعد الصلاة حتى العصر؛ وكان عددهم خمسة وثلاثين؛ وقد رتب لهم العزيز أرزاقاً وجرايات شهرية وأنشأ لهم داراً للسكنى بجوار الأزهر، وخلع عليهم في يوم الفطر، وأجرى عليهم ابن كلس أيضاً رزقاً من ماله الخاص.

وهنا نجد أنفسنا أمام حدث جامع حقيقي، فق كان أولئك الفقهاء الذين رتبهم ابن كلس للقراءة والدرس بالأزهر، وأقرهم العزيز بالله، أول الأساتذة الرسميين الذين عينوا بالجامع الأزهر، وأجرت عليهم الدولة أرزاقاً ثابتة وباشروا مهمتهم العلمية تحت رعاية الدولة بطريقة منظمة مستقرة؛ وإذن فهنا نستطيع أن نقول إن الأزهر يكتسب لأول مرة صفته الجامعية الحقيقية كمعهد للدراسة المنظمة، وأنه يبدأ هنا حياته الجامعية الحافلة المديدة.

- ٢ -

وإذا ما تقررت هذه الحقيقة، فأنّا نستطيع أيضاً أن نقول إن أكبر الفضل في تتويج الجامع الأزهر بهذه الصفة الجامعية الجليلة يعود إلى الوزير ابن كلس الذي أسبغ عليه لأول مرة صفة المعاهد الدراسية العامة، ورتب له أول فريق من الأساتذة الرسميين.

ولقد كان ابن كلس وزيراً عظيماً وعالماً جليلاً؛ بل كان عبقرية سياسية حقيقية؛ وهو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس؛ واسمه يدل على أصله الذمي؛ أجل، فقد كان ابن كلس يهودياً، نشأ ببغداد، وغادرها في شبابه إلى الشام واشتغل هنالك حينا بالتجارة، وأثقلته ديون عجز عن أدائها ففر إلى مصر في عهد كافور الأخشيدي؛ واتصل به وقام له ببعض الأعمال والمهام المالية فأبدى في أدائها خبرة وبراعة، وطاف بريف مصر يحصل الأموال ويعقد الصفقات، حتى تمكنت منزلته لدى كافور، وأثرى وكثرت أمواله وأملاكه؛ ثم ثابت له فكرة في الأخذ بنصيب من السلطة والولاية، ورأى الإسلام خير طريق لتحقيق هذه الغاية، وكان قد بلغه أن كافوراً قال في حقه لو كان هذا مسلماً لصلح أن يكون وزيراً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>