للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واتجهت الأنظار لمعارك في جبهة مقدونيا، وتسأل الناس عن المصير.

أما مقدونيا فرثاها شوقي بقوله:

يا أخت أندلس عليك سلام ... هوت الخلافة عنك والإسلام

وأما ليبيا وبرقة فقد استحوذ عليهما الطليان، ورتل قائل بشعر قديم فقال:

أحقاً خبا من جو رُندة نورها ... وقد كسفت بعد الشموس بدورها

وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت ... منزلها ذات العلا وقصورها

أحقا خليلي أن رندة أقفرت ... وأزعج عنها أهلها وعشيرتها

وهدت مبانيها وثلت عروشها ... ودارت على قطب التفرق دورها

ترى للأسى أعلامها وهي خشع ... ومنبرها مستبعد وسريرها

ومأمومها ساهي الحجى وإمامها ... وزائرها في مأتم ومزورها

كلا لم تدم تلك المحنة، ولم تصبر على الضيم نفوس أبت إلا أن تعيش في ظلال الكرامة والعزة، وقامت الحرب العظمى الأولى سنة ١٩١٤، ودخلت إيطاليا الحرب، فارتجت البلاد، وغمرتها تكبيرة المجاهدين، والدعوة إلى الخلاص، وبدأت ملحمة جديدة من تلك الملاحم الخالدة في تاريخ العروبة، التي تقاتل فيها فئة كبيرة - فيأتيها النصر من عند الله.

لقد فرحت مصر وفرحنا بمعارك درنة، وعين زاره وغيرها، من التي منّ الله بها على المجاهدين والمرابطين وذوي البأس في قتال الطليان، وكان ذلك إبان الحرب التركية عامي ١٩١١ - ١٩١٢. أما أيام الحرب العظمى فقد سار المجاهدون فيها من نصر إلى نصر، بل كان كل يوم يمر يأتي إليهم بنصر جديد من عند الله، ولم تمض ١٩١٥ إلا وقد زحزحوا الطليان عن برقة، واستعادوا فزّان، واقتحموا حصونهم ومعاقلهم واحداً بعد الآخر، واستحوذوا على أسلحتهم وسياراتهم وأسروا كتائبهم المرتزقة، من سود وحبش وغيرهم، وساقوا بأسلحة الطليان لقتال الطليان، وتلك والله مقدرة لأهل برقة وليبيا.

وتتبعوا المنهزمين وسدوا عليهم المنافذ والطرق، وفي يوم أصبحت العاصمة تحت أزيز رصاصهم، وغدا الساحل تحت سيطرتهم، فأتتهم المؤن والذخائر من حيث شاءوا.

فهل رأيتم دفعة كهذه الدفعة، أو قوة من المستضعفين يملؤها الأيمان والثقة في النفس والدعوة إلى الحق والقتال في سبيل الله، عملت في القرن العشرين عملاً يشبه هذا؟ إنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>