للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اليم الله وقفة رائعة. . .

وانتهت الحرب العظمى الأولى سنة ١٩١٨، وتدخل الإنجليز بين الطليان وأهالي البلاد فاعترفوا بنظام ليبيا ومسراطة وأقروا إمارة برقة، ووقعوا المعاهدتين وضمنوا استقلال الداخل، وخيل للناس أن عهداً من الطمأنينة والأمن قد أشرق، كان هذا وإيطاليا تلبس لباس الديمقراطية وقتئذ.

وفي يوم من أيام موسوليني، بعد أن اغتصب الحكم في بلاده، عبث الثعلب المستأسد بمواثيق بلاده وضماناتها وقيودها، وحنث بالأيمان المأخوذة، وأثار حرباً ضروساً مهلكة، يحاول بأساليبها إبادة شعب بأسره، كانت تعليماته وقراراته وأوامره واضحة لا شبهه فيها، فليراجعها من يشاء، يجدها في كتبهم وما نشره قوادهم.

أمامنا ما كتبه فولبي عن عهده، وما أذاعه جراتزياني، وما خطه بادوليو، فليقرأ كل من يشك فيما نكتب أو تحدثه نفسه أننا ننطق عن الهوى.

وكان أمامهم شعب أبي، يرغب أن يحيا حياته على النحو الذي يريده هو، لا كما يريد الغير أن يكون عليه، قد صمم أن يعيش بغير أن تفرض عليه سيادة روما وسياطها شعب يأنف أن تبسط عليه شخصية غريبة عنه، غير الشخصية المنبثقة من روحه وإيمانه وتاريخه وكتاب الله، أمة لا ترضى بلغتها وثقافتها بديلاً ولو أعطيت الكون بأكمله، وهي لا تتراجع أن تدفع العدوان لديها من شجاعة وصبر ومجالدة.

قابل هذا الشعب، صدمة الخيانة بشجاعة نادرة، رأى الحرب تفرض عليه في دياره، فواجهها كما يواجهها كل مقاتل كريم كتبت عليه التضحية فقدم بنيه وأحفاده، ضُيق عليه الخناق بحصار من البر والبحر، فتحمل وصبر، أوذي في نفسه ومعاشه وماله ودكت بيوته، ولكن لم ينزل على حكم ظالميه، ولا طوى مطلباً من مطالبه، ولا تراجع عن مبدأ من مبادئه.

واتبعت إيطاليا سياسة العنف والتشريد، فلم ترع شيخاً ولا مقعداً ولا طفلاً ولا رضيعاً، خربت المنازل وأفنت قبائل، وحولت بقاعاً عامرة فجعلتها صعيداً جرداً.

وفي تلك الحقبة المظلمة، والعالم لا يعرف شيئاً، عن مأساة أهل ليبيا وبرقة، ظهر عمر المختار، وكلنا قد سمع عنه، وعن عراكه وكفاحه وجهاده، فسألوا أنصاره ورجاله، ينبئوكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>