للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولست أدري ماذا يظن القارئ بهذه الفقرة التي هي بلا ريب من خير ما كتب وإن كنت عن نفسي أحس فيها الصنعة بادية والتكلف واضحاً، ولا أدل على ذلك من أن ننعم النظر في تشبيهه المعقد لقلب الفتاة بالشعاع الذي يثب في غرفة وفي الغرفة قدر وبالقدر يصب الماء، والماء يعكس الشعاع، والشعاع يتطاير شرره في كل ناحية وما إلى ذلك من تفيهق العلماء وصنعتهم المرذولة

ذلك عن فن الملاحم. ولقد سبق أيضاً أن قلنا إن شعراء ذلك العصر قد حاولوا كافة الفنون الأدبية، فهم لم يقفوا عند الملاحم يحاولون بعثها بعد أن كان زمن الفطرة والطبع السليم قد انقضى، بل كتبوا أيضاً التراجيديات. ومن غريب الأمر أنه أكبر شعراء التراجيديات في ذلك العصر وهو ليكوفون لم يرقه ما أحدثه أوربيدس في أسلوب التراجيديا من تطور نحو النثرية. فأراد (كأديب مرهف) أن يعود بها إلى اللغة الشعرية القديمة. فأخذ يحاكي أيسكيلوس وبنداروس، ولكن التكلف أفسد محاولته كما نتوقع، وكان في هذا فشل للتراجيديا لا يقل عن فشل الملاحم

وتخلص من كل ما سبق عن أدب عصر الإسكندرية إلى أن لم يجد إلا عند ما عاد إلى الحياة، لقد جاد في شعر ليونيداس لأنه لامس بؤس الحياة وخبر أسرارها، وجاد في شعر تيوقريطس لأنه هاجر إلى الريف حيث السذاجة الساحرة، وجاد في فصول المحاكاة، لأنه صور واقع الحياة، ولقد صدقت نغماته في شعر الغرام، لأن الحب شعور غلاب، وأما فيما عدا ذلك فقد جاء شعر علم وتكلف وكتب وصالونات

(انتهى)

محمد مندور

<<  <  ج:
ص:  >  >>