جازون هذا كان عمه قد اغتصب من أبيه العرش؛ وعندما حاول استرداده طلب إليه العم أن يأتيه أولاً بالجزة الذهبية، وكانت تلك الجزة ببلاد تراقيا النائية حيث يحرسها تنين ضخم فضلاً عما في تلك الرحلة البعيدة من مخاطر. ولقد استطاع جازون أن يأتي بالجزة، وذلك بفضل ميديه بنت ملك تراقيا التي أحبت البطل وجنبته بنصائحها وذكائها مواضع التهلكة بل وهربت معه. وهذه هي القصة المعروفة بقصة (الأرجونوت) أي بحارة (أرجو) وهو اسم السفينة التي أبحر عليها جازون ورفاقه
وأبولونيوس وإن يكن بلا ريب من الشعراء العلماء، شعراء الصنعة فإنه يعد برغم ذلك شاعراً كبيراً وبخاصة في بعض أجزاء ملحمته التي استرسل فيها مع إحساسه إلى حد ما. ولعل من خير ما كتب وصفه لغرام ميديه:(مدّ الليل ظلاله على الأرض، وفي البحر نام البحارة بسفنهم وهم يتأملون هيليكنيه ونجوم الأريون. وقد هفا المسافرون في الطريق إلى ساعة النوم، كما هفا الحراس على الأبواب. بل والأم الحديثة عهد بموت أبنائها قد لفها خدر نوم عميق. وعواء الكلاب لم يعد يسمع بالمدينة. لم يعد ثمة همس لصوت. لقد تملك الصمت ظلام الليل
ولكن ميديه لم يغزها عذب النوم، لقد أيقظتها آلاف من الهموم، هموم غرامها وكان قلبها يثب في صدرها بلا انقطاع، وكأنه شعاع يثب في غرفة وقد عكسته مياه تصب في قدر. فهو يهتز دائراً في سرعة فيقفر هنا وهناك. على هذا النحو كان يدور قلب الفتاة بصدرها
حدثت نفسها حيناً بأنها ستعطي المادة السحرية الثيران (التي كانت ستفترس جازون) لتهدئها، وحيناً بأنها لن تعطيها. فكرت في أن تموت، ثم في أن لا تموت، وأن لا تعطي المادة السحرية محتملة ألمها دون تفعل شيئاً. وأخيراً جلست وفكرت، ثم قالت: ما أشقاني! لقد تحوطتني المحن. أين المفر؟ بكل سبيل شكوك لنفسي! لا دواء لألمي الذي لا يمسك عن إحراقي. آه! ليت أرتميس (إلهة الصيد) استطاعت أن تقتلني بسهامها قبل أن أراه. كيف أستطيع أن أعد المواد السحرية خفية عن أهلي؟ ماذا أقول؟ أي حيلة أخترع لأداري معونتي؟ هل أحادثه سراً بعيداً عن رفاقه؟ يا للبؤس! إن موته ذاته لن يدع لي أملاً في الشفاء من آلامي. بعد موته سيحتضنني الألم. وداعاً عفافي! وداعاً ضياء حياتي! فلينج على يدي ولينأ من هنا دون جراح. لينأ إلى حيث يهوى فؤاده)