يا لها من ذكرى. . . تلك التي انطوت على شواظ من نار، ولفت ريقاً من العمر كان القلب، والعاطفة، والضمير قضاته العادلون.
إنني لأذكره. . وأنا وحدي أحييه، وأبعثه من أعماق قلبي على القرطاس، وأحاول أن أبث فيه من حياتي. روحاً، ومن جوانحي قبساً، ومن اضطراب فكري حركة!.
وأنت أيتها المرأة التي أخاطبك - أتمثلك جالسة وحدك على الشاطئ. . . شاطئ العالم المهجور، كأنك تنتظرين غريباً يؤوب إلى وطنه، أو أملاً يولد مع موج الأحلام المسحور!. . . أتمثلك غارقة في الظلمة كأنك تناجين الأطياف، وأتمثلك ساهمة كأنك تصلين، وأتمثلك غارقة في لجج الصمت الذاهل!.
أتذكرين ذلك اليوم الكئيب الجميل، القاتم المنير، الباكي المبتسم؟!. . عندما تقدمت إليك مدفوعاً برهبة وخشوع عظيمين، مدفوعاً برغبة وشوق آسرين، كأنني مدفوع إلى عالم المستقبل المكنون!!.
جئت إليك، وقد نفضت يدي من العالم، ومن كل رغبة من رغبات الحياة، ومن كل خفقة من خفقات الأمل، ومن كل شوق من أشواق النفس في الخوض في غمار الحياة!.
وكنا قد تواعدنا على القدر، واتفقنا على موعد! وقد هربت من جحيم حياتي، وإسار رقبتي. . إليك. . وأنت تعرفين أن الماضي الذي أتكلم عنه شيء قاس مؤلم.
تقدمت إليك بقلب واجف. . كأنني في حضرة من ملك حياتي، فرأيتك جالسة غريقة في بحر لجي من الهواجس والظنون ويدك ممتدة إلى الظلمة، أو إلى شعرك الفاحم!
وخيل إلي أنني أمام امرأة ساحرة تلفها الأسرار، كأنني لم أعرفك، ولم تتواشج الأواصر الروحية بيني وبينك. . . وسمعتك تتمتمين كأنك تقرئين تعويذة لطرد الأشباح المحيطة بك كأنها الأقدار. . وسمعتك أخيراً تقولين:
- أهذا أنت؟!
فأجبتك: - نعم. . أنا الوحيد الذي قطع كل صلة له بالعالم! فنظرت إلي كأنك تنظرين إلى شيء غريب. . بليد. . مبهم لا يعرف أمراً من أمور الحياة وقلت:
- هل ارتكبت الحماقة؟. .! هل اشترتك مملكة الشيطان!؟