المعنى المعبر عنه كان الأديب أمكن في الأدب من غير شك وكان أولى بالتقديم
إن امتلاك ناصية اللغة أمر لا بد منه لكل أديب يريد أن يبلغ في الأدب مرتبة الخلود. وليس معنى هذا أن امتلاك ناصية اللغة وحده كاف للخلود، فليس في الأدب مكانة لخلود صاحب المعنى الخسيس في اللفظ الأنيق إلا إذا انحط الأدب. إنما الآداب الرفيعة آداب نبل قبل كل شيء: نبل في المعنى ونبل في التعبير على السواء. ونبل التعبير راجع إلى حد كبير لنبل المعنى عند تمام الأداء. لكن لن يستطيع البلوغ في الآداب حد التمام إلا من امتلك ناصية اللغة فلم يعجزه معنى مهما دق أو اتسع عن أن يجد له من التعبير ما يلبسه ويظهره ويستفرقه، فلا يقصر عنه ولا يزيد عليه. فشرط امتلاك ناصية اللغة شرط أساسي في كل أديب يطمع في ذلك المجد الباقي الذي نسميه الخلود خلود الذكر إذا صار الأديب حديثاً من الأحاديث. هو شرط أساسي لكنه وحده غير كاف، كالماء أو الهواء أو الطعام كل منها ضروري للحياة لا تقوم بدونه، لكنه وحده لا يكفي للحياة
وإذا تسائل متسائل أي الأدبين أدل على امتلاك لناصية اللغة واقتدار على التفنن والتصرف في التعبير بها؟ أدب الرافعي أم أدب العقاد؟ كان الجواب الذي يسرع إلى الإنسان في غير تكلف ولا تحيز: أدب الرافعي كان أملك لناصية اللغة من غير شك وأكثر افتناناً فيها وتصرفاً بها. ولا نظن العقاديين أنفسهم يمارون في هذا، فأكبر ما ادعاه للعقاد مفتونهم به هو أن الأسلوب الفخم والتعبير الجيد غير بعيدين عن شعر العقاد
لكن التفوق من ناحية اللغة لا يبلغ أن يكون فارقاً بين مذهب ومذهب، فأبناء المذهب الواحد في الأدب كثيراً ما يتفاوتون في المقدرة اللغوية تفاوتاً مذكوراً. لو كان العقاد ممن يثبطون عن اللغة أو يدعون إلى اتخاذ العامية لغة كتابة كما هي لغة حديث لكان ذلك فارقاً أساسياً بين الرجلين ينسبهما في اللغة إلى مذهبين مختلفين. لكن العقاد لا يفعل شيئاً من هذا. إنه يرجو أحياناً أن يجد الشعر العربي طريقاً إلى أن يتحلل بعض التحلل من القافية ليتسع مثلاً لشعر الملاحم، لكن هذا وحده، مهما خالفه الرافعي فيه إن كان خالفه، لا يكفي لأن يتعاديا فيه أو ينتسبا به إلى مدرستين أو مذهبين في الأدب مختلفين
بقيت ناحية المعنى. ولم نر أحداً ظلم في معانيه مثل ما ظلم الرافعي. فكلام بعض أنصاره مثل أخينا علي الطنطاوي لا يقدر ناحية المعنى حق قدرها فيظن خصوم الرافعي أن هذا