هو مذهب الرافعي، ويتخذونه فيما يتخذون دليلا على تقصير الرافعي من ناحية المعنى. أخونا الطنطاوي يرى المعاني قريبة المتناول يأخذها الإنسان مما يسمع أو يقرأ أو يشاهد، فلا فضل فيها لأحد على أحد، ويكون التعبير عنها هو مظهر التفاضل بين أديب وأديب. لكن هذا إذا صدق على الشائع المألوف من المعاني فليس يصدق على النادر الطريف. ومعاني الرافعي يكثر من بينها الطريف كثرة تدعو إلى العجب؛ كثرة لا نظن أحداً من المحدثين يفضله فيها أو يزحمه. فالرأي الذي ذهب إليه أخونا الطنطاوي من شأنه - عرضاً - أن يهضم الرافعي من هذه الناحية التي تعد من أكبر مفاخره.
وطرافة معاني الرافعي يرجع جزء كبير منها إلى خياله. ومن رأينا أن ناحية الخيال من النواحي التي تفوق فيها الرافعي وامتاز فتم بها تفوقه في التعبير والبيان. هذه الناحية في الرافعي أدعى إلى الإعجاب حتى من مقدرته اللغوية، فالمقدرة اللغوية لا تحتاج بعد الاطلاع والإحاطة إلا إلى حسن الاستعمال؛ لكن الخيال ملكة أخرى لعل قوتها ورقيها أدل الدلائل على الشاعرية. ونحن فيما قرأنا للقدماء أو المحدثين لم نرها بلغت من النمو والقوة والسمو ما بلغته في الرافعي. وليس معنى هذا طبعاً أن أدب الرافعي هو خير أدب وجد، لكن معناه أن ناحية الخيال أظهر في أدب الرافعي وأسمى منها في أدب أي أديب قرأنا له. وسواء أكان من قرأنا لهم في الأدب كثيرين أو قليلين، فليس لدينا شك في أن ناحية الخيال ناحية امتاز فيها الرافعي وتفوق على العقاد.
لكن ليست المعاني كلها تدور حول الخيال، وإن كان الرافعي لقوة حاسة الخيال فيه يكاد يجد للخيال موضعاً في كل معنى. إن روح المعنى بالطبع هو منزلته من الحق ومن الصواب، والحق والصواب لهما معايير ليس الخيال أحدها قد ضلها المتأدبون في هذا العصر حتى كاد الأمر يكون بينهم فوضى. فأما ما اتصل من المعاني بالعلم فمن السهل الرجوع فيه إلى أصل يحسم الخلاف أو يخفف من الخصومة فيه. لكن ما الحيلة فيما اتصل من المعاني بالفن، والفن قد كثرت مذاهبه وتضاربت حتى لم يبق لترجيح رأي على رأي ولا مذهب على مذهب إلا الميل والهوى الذي يسمونه الذوق؟ كيف يمكن تبين الحق والصواب في ميدان الفن الذي منه ميدان الأدب، فيما لم يتصل بعلم وفيما لم يتصل بلغة؟ إن الوصول إلى جواب صائب على هذا السؤال أمر حيوي لا غنى عنه البتة، لا لأنه