العصر. فليس الأخذ والرد والدفع والجذب في المجال الديني والفلسفي فريداً لا نظير له، وإنما طبيعة الناس المقاومة لكل حديث إما حسداً وإما جحوداً وضيق فكر، وإما عن عقيدة واقتناع. والزمن كفيل بمعاونة الحق على الظهور والنمو والغلبة. وبقاء الأصلح قانون طبيعي (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
فعلى أحرار الفكر الذين يرون آراء حديثة في الحياة أو الاعتقاد أو حياة الاجتماع أن يحملوها حمل آباء الإنسانية الأولين من الأنبياء والحواريين، وان يلاقوا في سبيل تبليغها ما لاقى أولئك من التسفيه والتشريد والتجويع والتقتيل إن كانوا بها مؤمنين، وللإنسانية مخلصين. وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا تهم الكفر والإلحاد التي رمي بها الأنبياء. فلقد رمي كل رسول بتهمة الكفر والإلحاد في العقائد الوثنية والتقاليد والأخلاق الهمجية، ومع ذلك فقد سخروا من الاتهام وتحملوا الآلام حتى انتصروا وانتصرت كلماتهم، وصار العالم الراقي كله يدين لتلك الكلمات! وعلى هؤلاء الأحرار بعد كل ما تقدم أن ينتصروا. . . وأن يحملوا الطبيعة الإنسانية على الاستجابة لآرائهم إن استطاعوا وإلا فعليهم أن يعلموا أن الطبيعة الإنسانية لا تأبى مذاهبهم ولا تستعصي على الاستجابة لها إلا لأنها (نشاز) وشذوذ لا يصلح معه أمر حياة الاجتماع، ولا يأنس إليه الطبع الإنساني العام الذي لا يخضع للعقل وحده، وإنما يخضع لمزيج مبهم من العقل والغريزة والعاطفة. . .
وقديماً فشل العقل اليوناني بفلسفاته أن يوجد أمة صغيرة كاليونان، ويقودها نحو الإيمان بالله الواحد، ويترك الوثنيات التي كانت تنضج بها معابدها. . ولكن الطبع الباكي الضارع الحنيفي الفطري المتمثل في إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد والمتعلق بالله الواحد، وبأصول الخير والفضيلة قاد اليونان والرومان ووحدهم. وقاد من بعدهم أمماً عظيمة لا تزال ولن تزال تسيطر على مقدرات الأرض وسياسة الاجتماع
٢ - بدت للأستاذ إبراهيم السعيد عجلان ملحوظتان حول أمرين وردا في المقال السالف الذكر
أولهما: تقريري أن إبراهيم عليه السلام توهم أن الله تعالى يخلق بأدوات ووسائل، مع أن إبراهيم سأل:(كيف تحيي الموتى) ولم يسأل (بأي شيء تحيي الموتى).
والذي قلته بالحرف: لقد توهم إبراهيم أن هناك (كيفية) للإحياء، وأنه هناك أدوات ووسائل