البيض فكانوا أهل دس وغدر وفتنة. ومنذ القرن السادس عشر أصبح الحرملك يدبر أمور الدولة من وراء ستار. ولما نفى السلطان عبد الحميد إلى سلافيك عام ١٩٠٩م، أذنوا له أن يصطحب معه في منفاه بعض المقربات إليه. أما الباقيات ويجاوزن بضع مئات فقد أصبحن بلا عائل. وقد وصف ذلك كله فرنسيس ماك كلاج في كتابه (سقوط عبد الحميد) فقال: (لقد جمعن في قصر (ثب كابو) في حشد عظيم، وإذ كان أغلب النسوة في حريم السلطان قوقازيات، وكن يؤثرن على غيرهن لجمالهن الرائع، فقد أبرقت الحكومة التركية إلى مختلف القرى القوقازية تعلن إليها أن لكل عائلة الحق في استرداد فتاتها من حريم السلطان سواء أكان أبواها قد باعاها أم اغتصبت من بين ذويها. ومن ثم وفد على القسطنطينية الكثيرون من جبلي القوقاز يخطرون في ثيابهم العجيبة، وحددت لهم الحكومة يوماً توافدوا فيه على قصر (ثب كابو) واستعرضوا محظيات السلطان سافرات بلا قناع. وكم كان منظر الفتيات وهن يرتمين في أحضان آبائهن أو أخواتهن مؤثراً، بعد أن حيل بينهم وبينهم، ويئسن من لقائهن. . . فهذا أب يقبل أبنته وقد اغرورقت عيناه بالدموع، وهذا أخ يعانق أخته بعد أن ظنا أن لا تلاقي بعد. ولشد ما كان التباين عظيماً بين لباس هؤلاء الجبليين ولباس بناتهم وهن يرفلن في غالي الثياب وأبهاها. وسرعان ما جمعت كل فتاة ملابسها، وغادرت القصر غير آسفة عليه، فبلغ عددهن يومئذ مائتين وثلاث عشرة انثى، اما الباقيات فقد اختار منهن الأمراء من اختاروا. . .)
هذا وصف شاهد عيان لمنظر من مناظر ألف ليلة وليلة. أما قصر سيراليو فقد خيم عليه الصمت كأنما استوحش من ساكنيه، حتى إذا كان عام ١٩٢٤ جعلته الحكومة التركية من المنافع العامة، وطبعت من أجله دليلاً يشرح للزائرين ما يبهم عليهم إدراكه، وإذا كان الزائر لمصر لابد له من مشاهدة الأهرام وأبي الهول، فإن نزيل القسطنطينية اليوم ليهرع قبل كل شيء إلى قصر سيراليو فيمتثل صورة الحريم والترف في قصور السلاطين ويرى روعة الفن وجلاله، وكم شهدت حجراته من مآس ومسرات!
النضوج وضبط النفس
إذا نظرنا إلى الطفل وجدناه اكثر من غيره تبرماً بالتعب. فإذا أصابه الجوع أو ناله قليل من البرد أو الحر أو شعر بتقييد حريته فلم يستطع أن يتحرك كما يشاء، أو اعترته هزة