وإذا كان الطفل لا يعرف الأسباب التي تدعو إلى ما يشعر به من الألم، فإن احتجاجه عليه عادة يكون عنيفاً.
فإذا جاوز سن الطفولة وتعداها إلى سن النضوج، فإن شعوره بهذا التهييج يخف ويتغير. وليس معنى ذلك أن المراهق لا يشعر بالآلام إذا تعرض لها، ولكن شعوره بها يتغير كل التغير، حتى لا يبدو عليه شيء من مظاهرها.
فالشخص الذي لا يحتمل المشقات، ويضيق صدراً إذا لم ينل ما تصبوا إليه نفسه، ويهتاج لكل حادث، هو في الحقيقة شخص لم يصل شعوره إلى درجة النضوج. وكل إنسان ولا شك يكره أن يكون ذلك الرجل. فإذا أردنا أن نعرف حقيقة أنفسنا من هذه الناحية يجب أن نترك الحكم عليها للآخرين، وعلى الأخص هؤلاء الذين لا تجمعنا بهم روابط الصداقة.
فما مقدار الألم الذي يستطيع أن يحتمله عادة الرجل الكامل النضوج؟ إن نظرة بسيطة تدلنا على أن هناك اختلافاً كبيراً بين الأفراد من هذه الناحية. فقد رأينا أناساً يحتملون كسر العظام وقطع الأوصال، ورأينا بعضهم يقومون بإجراء العمليات الجراحية لأنفسهم وسمعنا بأشخاص تقطع أوصاله إرباً إرباً في بعض المحاكمات ليخونوا صديقاً أو يعترفوا عليه بما يؤذيه فلا يشكون ولا تتغير حالهم.
وعلى النقيض من ذلك نرى أناساً لا يطيقون أي نوع من أنواع الألم فيلجئون إلى العقاقير السامة كالكوكايين والمورفين لتخفيف آلامهم وكثيراً ما يعتادونها.
فهل هناك حد وسط بين هذين الحدين؟ هل توجد حالة طبيعية بين هاتين الحالتين؟ من المحتمل أن لا يوجد شيء من ذلك. وكل ما نستطيع أن نقوله: أن الرجل الصحيح يتجنب الألم بقدر الإمكان، فإذا ناله شر لابد منه فيجب عليه أن يتجلد له ويحتمله، ولا يفعل كما يفعل الطفل، وقد نستطيع أن نطبق هذا المبدأ على اوجه الحياة المختلفة، فنحن كثيراً ما نفعل أعمالاً لا نريد أن نفعلها، فبعضنا يرفعون عقيرتهم بالشكوى لأقل شأن، وبعضنا يتركون العمل الذي يشتغلون فيه بغير مبرر! فإذا فرضنا أنك أجبرت بحكم عملك على أن تكون مع شخص لا توده. فالرجل الناضج في هذه الحالة يحتفظ بشعوره نحو هذا الإنسان ويعامله بشيء من الحذر. أما شعور السرور الذي يتولانا في مجلس من المجالس، أو عند