للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العقلاء الأذكياء يؤمنون بهذا الزعم على سخافته وبطلانه. وبينا هو يقرأ أتى على فقرات من الكتاب كادت تخرج لها عيناه من رأسه استغراباً لها وإعجاباً بها، على وصف تجربة بسيطة ذهبت بالخرافة من نفسه دفعة واحدة ولغير رجعة

وقال لنفسه وهو يتخفف من بعض ملابسه ويميل بعنقه الغليظ إلى ضوء الشمعة: (إن (ريدى) هذا الذي كتب الكتاب رجل لا شك عظيم. انظر كيف هو يحل المشاكل حلاً غاية في البساطة. أخذ قدرين ووضع بكل منهما قطعة لم، ثم غطى أحدهما بغطاء خفيف، وترك الآخر مكشوفاً. ثم أخذ ينظر، فوجد الذباب يدخل إلى اللحم في القدر المكشوفة، وبعد زمن قليل وجد بها الدود، وبعد زمن آخر وجد بها ذباباً جديداً، ثم نظر إلى القدر المغطاة فلم يجد بها دوداً ولا ذباباً. فالأمر بسيط جداً. فالمسألة مسألة الغطاء الذي يحول بين اللحم والذباب وتجربة بسيطة جداً، ولكنها تدل على ذكاء كبير، فان الناس تناقشوا وتجادلوا وبحت أصواتهم آلاف السنين، ولكنهم لم يهتدوا إلى هذه التجربة البسيطة)

وفي الصباح لم يستطع (لازارو) صبراً، فأسرع إلى العمل يطلب حل الأشكال، لا فيما يختص بالذباب ودوده، ولكن فيما يختص بالأحياء المكرسكوبية الصغيرة. فان الأساتذة العلماء كانوا قد بدأوا يقولون إنه قد يجوز أن الذباب يخرج من بيض، ولكن الأحياء التي تدق عن البصر تأتي من ذات نفسها

وأخذ اسبلنزاني يتعلم في عثار كثير كيف يربي تلك الأحياء، وكيف يستخدم المجهر. فجرح يديه وكسر قبابات كبيرة ثمينة؛ وكان ينسى أحياناً أن يمسح عدساته وينظفها، ثم ينظر من خلالها إلى تلك الحيوانات الصغيرة، فلا يراها إلا بمقدار ما يرى السمك الصغير في الماء بساحل البحر وقد عكره بتحريك قاعه؛ ولم يكن يبالي أن يتحدث عن أخطائه ويقصف بالضحك منها، فلم يكن في خلقه ذلك الجمود وتلك الشراسة التي اتصف بها (لوفن هوك). وكان مندفعاً متهوراً، ولكنه برغم اندفاعه وتهوره كان لحوحاً لجاجاً، لا ينعطف لخيبة ولا يثنيه يأس؛ قام ليفضح تلك الأكاذيب التي يحكونها عن تلك الحيوانات الصغيرة فلن يقعد حتى يبلغ ما أراد، ولكن مهلاً. (إذا أنا نصبت نفسي بغية الوصول إلى غاية معينة فلست والله بعالم، إن العالم يجب عليه أول شيء أن ينزع من قلبه التعصب والتغرض، وأن يتعلم أن ينقاد للحقائق التي تتكشف له إلى حيث تسوق. . .) وأخذ يدرس

<<  <  ج:
ص:  >  >>