تلك الحيوانات بصبر طويل، وأخذ يسوم نفسه قصد السبيل، وينفي عنها الهوى بقدر الطاقة حتى علمها أن تنصاع للحق ولو كان مراً
واتفق في هذا الوقت أن قسيساً آخر اسمه (نيدم كان يسره أن يرى نفسه تحذق فن التجربة، وكان كاثوليكياً تقياً. وكان اسمه أخذ يذيع في إنجلترا وأيرلندا بأنه الرجل الذي يعرف كيف ينشئ تلك الأحياء الصغيرة في مرق الضأن من لاشيء. وأرسل إلى علماء الجمعية الملكية البريطانية يصف لهم تجاريبه، فتفضلوا بالإعجاب بها
قال لهم إنه أخذ من قدر وهي تغلي بمرق الضأن مقداراً ثخينا من هذا المرق، ووضعه في زجاجة سدها بفلينة فأحكم سدها فأصبحت بمعزل عن الهواء، فلا تدخلها تلك الأحياء أو ما يمكن أن يكون لها من بيض. ولم يكتف بذلك، بل ذهب فوضع الزجاجة في رماد ساخن زيادة في الحرص والتوكيد. قال الرجل الطيب: (وبهذا لاشك قد قتلت كل ما قد يكون بقي في الزجاجة من كائن حي أو بيض). واحتفظ بهذا المرق في الزجاجة أياماً، ثم نزع سدادها، وأتى بالعدسة فرأى - وما أخطر ما رأى - رأى المرق يعج بالأحياء عجيجاً
وصاح (نيدم) يقول للجمعية: (إن هذا كشف خطير أي خطير. إن هذه الأحياء لا يمكن أن يكون مأتاها إلا من المرق، فدونكم إذن تجربة تثبت أن الشيء الحي قد يخرج من الشيء الميت). وقال لهم فيما قال: إن الحساء يصنع من الحب أو اللوز يقوم مقام المرق سواء بسواء
وثارت الجمعية الملكية والعالم المثقف لما علموا بكشف (نيدم) كشف صدق لا أقصوصة كاذبة، وحقيقة تجريبية لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها، واجتمع أعضاء الجمعية يفكرون في جزاء (نيدم) بتنصيبه عضواً فيها، وهي الجمعية الوقور المترفعة التي تمثل أرستقراطية العلم وتتضمن صفوة العلماء. ولكن في هذه الأثناء كان اسبلنزاني بعيداً في إيطاليا يقرأ خبر هذا الكشف المدهش، وبينما هو يقرأ تقارب ما بين حاجبيه، وضاق حدق عينيه، وأخيراً أبرق وأرعد وقال:(إن هذا الحيوانات لا تنشأ من لا شيء، لا في المرق، ولا في حساء اللوز، ولا في شيء كائناً ما كان؛ إن في هذا التجربة تدليسة أو خدعة، من الجائر أن (نيدم) لا يعرف ذلك، ولكن لابد أن هناك ثغرة أنا كاشفها لا محالة)
وبدأ شيطان التعرض يستيقظ في نفسه، وقام القسيس يشحذ سكينه لأخيه القسيس. وكان