الأفغاني في العلماء والوعاظ والأئمة، وهو الذي اصطلى نارهم، وحرق بسعيرهم، وقضى حياته يشكو المناهضة منهم، والمضايقة من جمودهم وجحودهم للدين والحق تملقاً لأهل السلطان والسياسة، وهكذا عاش تلميذه الأستاذ الإمام من بعده. ولو أن العمر امتد بالأفغاني إلى تلك الأيام، ورأى ما كان من تطور الحوادث والأحداث، وعلم الزعماء والرجال الذين جاهدوا لمجد الشرق العربي، ومدافعة الاستعمار الأجنبي، وليس فيهم رأس من أولئك العلماء والأئمة والخطباء، إذن لتنكر لرأيه، ولبارك رجالاً أساء الظن بهم، فكان القادة منهم، والطلائع من بين صفوفهم.
وأخيراً ينتهي الأفغاني في الرأي إلى أن يكون لهذه الوحدة الدينية قبلة، هي قبلة الدين، ووجهة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فاختار مكة المكرمة لأنها كما يقول:(مبعث الدين، ومناط اليقين، وفيها موسم الحجيج العام في كل عام، يجتمع إليه الشرقي والغربي، ويتآخى في مواقفها الطاهرة الجليل والحقير، والغني والفقير، فكانت أفضل مدينة تتوارد إليها الأقطار، ثم تنبث إلى سائر الجهات. . . وما هي إلا كلمة تقال بينهم من ذي مكانة في نفوسهم حتى تهتز لها أرجاء الأرض، وتضطرب لها سواكن القلوب. .)، ومن ثم كان السيد الأفغاني يطمع في أن يكون موسم الحج مؤتمراً عاماً يتلاقى فيه المسلمون بآمالهم، ويتعهدون فيه شؤونهم ومصالحهم، ويؤكدون به غاياتهم وروابطهم، وإنها لفكرة قويمة جليلة لو استطاع القائمون بأمر الإسلام والقوامون على المسلمين الانتفاع بها، لكانت للأمم الإسلامية قوة روحية لا تنفد، وعدة تعينهم على مواجهة الشدائد والصعاب، وذخراً يملأ نفوسهم بالسمو والطموح إلى آفاق المجد والارتباط المتين لاستقبال الغد.