تلبث أن تتجمع حولها المِدّة والقيح وما هما إلا طوائف من الخلايا البيضاء التي تطوف في دم الإنسان. ذكر هذا بهذا فهرول إلى الحديقة التي وراء بيته، إلى شجيرة ورد كان ذوقها وزخرفها من أجل أخوة أُولجا ليحتفلوا بها في عيد الميلاد، وانتزع منها بعض شوكها، وعاد بالشوكات إلى معمله، وما هو بالمعمل، وشكها جميعاً في جسم أحد نجوم البحر وكان شفافاً كالماء.
وما طلع فجر الغد حتى استيقظ وقد امتلأ قلبه بكل أمل بعيد، ولم يتمهل بعد يقظته طويلاً حتى عرف أن ظنه أصاب، وأن خيال الأمس أصبح حقيقة اليوم. نظر إلى شوكات الورد فوجد طوائف عدة من تلك الخلايا الأفاقة التائهة قد ازدحمت حولها وأخذت تتماوج في كثرتها وبطئ حركتها. وكان فيما رأي الكفاية لإقناعه بأنه وجد تفسيراً للحصانة من جميع الأمراض، وعادته في الطفرة إلى الاستنتاجات السرية معروفة مشهورة. وخرج في هذا الصباح يخبر مشاهير أساتذة أوربا بالذي وجده، وكانوا اجتمعوا اتفاقاً بمدينة مسينا على القرب منه، وقال لهم:(هذا هو السبب الذي من أجله يصمد الإنسان لغائلة المكروبات). وانطلق لسانه حديداً فصيحاً يشرح لهم كيف حاولت خلاياه التواهة أن تأكل الشوك أكلا لما، واستطاع أن يريهم تلك التجربة الجميلة مصداقا لدعواه فصدقه العلماء، حتى ذلك العالم الجليل المخوف الأستاذ الدكتور فرشو آمن به وقد كان سَخِر بكوخ لما أتاه. ومن هذا اليوم دخل متشنيكوف في زمرة صُياد المكروب.
- ٣ -
ثم ترك أُلجا والأطفال وراءه يعيشون وحدهم على قدر ما يستطيعون، وذهب إلى فينّا ليعلن من فوق منبرها أن الإنسان حصين من الجراثيم لأن بدمه كريات بيضاء تائهة عملُها بلعُ هذه الجراثيم. وذهب تواً إلى معمل صديقه القديم الأستاذ كِلاوُسْ وكان عالم حيوان، وكان يجهل من أمر المكروب بقدر ما جَهِل متشنيكوف، كذلك اُعِجب بالذي سمعه وقال لصديقه الضيف. (انه ليسرني ويشرفني كثيراً أن تنشر نظريتك في مجلتي)
فقال متشنيكوف:(ولكن لابد لي من اسم علمي لهذه الخلايا التي تلتقم المكروبات، أعني اسماً اغريقياً، فأي الأسماء تقترح؟)
فرفع الأستاذ يده إلى رأسه يحكّها، وحكّ الجهابذة العلماء رؤوسهم معه، ونظروا المعاجم ثم