للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسرح برواده، واحتفظت الفرقة بمستواها، ولقيت من الإقبال والاستحسان ما لم يكن يدور في الحسبان.

ومما لاحظناه منذ عهد قريب أن بعض دور النشر أخذت تقدم طبعات جديدة من المؤلفات الأدبية الرفيعة، ميسورة الأثمان، تعرض مع باعة الصحف على أنظار الناس، فراجت هذه الكتب، وبيع منها الألوف والجمهور هو الجمهور، لم يزدد علما ولا ثقافة بين عشية وضحوة، وإنما الفضل كل الفضل لهذه الوسيلة الجديدة في نشر الكتب وعرضها على جمهرة القارئين. وليس أدل على نصوع هذه الحقيقة من أن بعض تلك الكتب كان مطبوعا على الطريقة القديمة من قبل، ولم يكن المطبوع منه يزيد على ألفين أو ثلاثة، وما تزال منه بقية في المكتبات لم تبع بعد، فأما هو في طبعته المحدثة، بهذه الطريقة الميسورة، فإن المطبوع منه بربى على عشرين ألفا ولا يكاد يظهر حتى تنفد نسخه في أيام معدودات.

ومن طريف ما حدثني به أستاذ فرنسي صديق، أنه يسكن شقة في مبنى كبير في باريس، وعلى باب المبنى يقوم بواب مشغوف بالقراءة، فبين يديه دائماً كتاب يطالع فيه، وقد عنى الصديق بأن يتعرف ما يقروه ذلك البواب المتأديب، فإذا هو الأدب المسف الرخيص، فخطر له أن يزاول معه تجربة لا يدري أتخفق أن تفلح، فدفع إليه كتابا من الكتب، وترك له أن يقرأ إذا راقه أن يفعل، فأخبره البواب بأنه قرأه في ليلة واحدة، وأنه أعجب به. ولم يكن الكتاب مغامرة من مغامرات (أرسين لوبين) وإنما كان كتاب (أناكارنين) لتولستوي. ومنذ اليوم أخذت المكتبة القصصية الرفيعة التي يقتنيها الأستاذ الفرنسي تستعار كتابا كتابا لهذا البواب، فيعب ما شاء أن يعب، وكذلك أثمرت التجربة وأصبح البواب القارئ من عشاق الأدب الرفيع.

هذه خواطر في معنى الأدب الشعبي، أردت بها توجيه الأنظار إلى تصحيح مدلوله، والكشف عن حقيقته، فلقد طالما أسيء فهمه، وشدما عدل به عن وجهه. ولقد آن لنا أن نرد إليه وبينه، كما نظلم الشعب إذا نقصنا من متعة الأدب حظه. وهل للأدب موضوع إلا الشعب؟ وهل للشعب مرآة إلا الأدب؟.

محمود تيمور

<<  <  ج:
ص:  >  >>