النافذة وألقي بنفسي منها إلى الشارع إذ لم أستطع البقاء طويلاً بين هذه الأشياء التي تذكرني بها، وبين هذه الجدران الأربعة التي ضمتها في يوم من الأيام. . . ولما توالت على هذه الذكريات تناولت قبعتي وسرت. وعندما وصلت إلى الباب ومررت بالمرآة الكبيرة المعلقة في القاعة تذكرتها عندما كانت تقف أمامها للتزيين. . .
وقفت قليلاً أمام المرآة مرتجفاً وقد تسمرت عيناي في زجاجها، ولما لمستها وجدتها باردة، وقد أظلم زجاجها فعاد لا يعكس. . أتراه أظلم لفقد صاحبته! وما أسعد الرجل الذي يستطيع أن ينسى كل شيء يمر حوله. . آه كم أقاسي. . .
خرجت من منزلي ولم أدر إلى أين؟ ولم أشعر إلا بقدمي تقودانني إلى المقبرة! وهناك وجدت قبراً عادياً عليه صليب رخامي أبيض ووجدت هذه الكلمات محفورة عليه:
(لقد أحببت وكانت محبوبة وماتت) إنها في القبر! وألقيت بصري على الأرض وبقيت على هذه الحالة مدة طويلة إلى أن خيم الظلام على المكان. ورغبت في أن أقضي الليل باكياً بجوار قبرها ولكنني خشيت أن أرى فأطرد من المقبرة، فما العمل؟ آه إنني لداهية! لقد أخذت بالتجوال حول مدينة الموتى. سرت هنا وهناك. يا إلهي ما أصغر هذه المدينة إذا قورنت بمدينتنا الأخرى التي نحيا بها! ومع ذلك فكم يزيد الموتى عن الأحياء! إننا نقتني القصور الفخمة في دنيانا، ونشرب الماء الصافي من الينابيع، ونمتع أنفسنا بشرب الخمور المعتقة ولكن الموت يزيل هذا كله! وتضمنا الأرض في جوفها ويصيبنا العدم!!
وفي آخر المقبرة وجدت قبوراً قديمة يدل شكلها على أن الموتى بها قد ماتوا منذ عهد طويل لالتصاق قبورهم بالأرض، وقد تداعت الصلبان. . .
وكنت وحيداً فاستلقيت تحت شجرة خضراء، وأخفيت نفسي بين فروعها الغليظة، وهناك انتظرت طويلاً كربان تحطمت سفينته. . .
لما اشتدت حلكة الظلام، قمت وسرت بهدوء تام في أرض الموتى وتجولت مدة طويلة ولكنني لم أهتد إلى قبرها. . . فسرت ماداً ذراعي ناظراً إلى القبور، متحسساً بيدي ولكن دون جدوى لقد تحسست الحجارة والصلبات، وقرأت الأسماء بأصابعي بتمريرها على الأحرف فلم أعثر على قبرها. . .
ولم تكن الليلة مقمرة، وكنت خائفاً جداً، إذ وجدتني بين صفين من القبور. . . قبور في كل