مكان، ولا شيء غير القبور! جلست على أحدها متهالكاً إذ لم أستطع السير أكثر من ذلك ولأن ساقي لم تقويا على حملي فكنت أسمع دقات قلبي وسمعت صوتاً آخر، ماذا؟! إن الصوت غامض وغير واضح، أتراه صوت نفسي في هذا الليل البهيم! تلفت حولي ولم أدر كم بقيت على هذه الحالة فتملكني رعب شديد وأحسست كأنني متأهب للموت.
وفجأة أحسست بأن حجر الرخام الذي كنت جالساً عليه يتحرك!! أجل كان يتحرك ويرتفع، وقد هالني ما رأيت، فقفزت إلى قبر آخر. . . وعندها رأيت الحجر الذي كنت جالساً عليه في القبر يرتفع ويظهر منه الميت عارياً وقد رفع الحجارة بظهره! لقد رأيته بوضوح وتمكنت من قراءة هذه الكلمات:
هنا يرقد جاكوس أوليفانت الذي توفى عن خمسة وخمسين عاماً. لقد أحب عائلته وكان محسناً شريفاً ومات. . . رحمه الله. . .
قرأ الميت ما كتب على قبره، فأخذ مدبباً من الأرض وأخذ يحك به الأحرف المكتوبة على قبره وبعناية وكتب بدلاً منها بعظمة كان يحملها بين أصابعه بأحرف مضيئة لامعة، كتلك التي يكتبها الأولاد على الجدران برؤوس عيدان الثقاب:
(هنا يرقد جاكوس أوليفانت الذي توفي عن خمسة وخمسين عاماً، لقد تعجل موت أبيه لأنه طمع في ثروته، وعذب زوجته وأولاده، وغش جيرانه، وسرق كل شيء استطاع سرقته، ومات بائساً).
ولما أتم كتابته وقف ثابتاً لا يتحرك وهو ينظر إلى عمله وتلفت حولي فوجدت جميع القبور مفتوحة وقد خرج منها جميع الموتى وأزال كل منهم تلك الأكاذيب التي خطها أقاربه على قبره واستبدلها بالصدق والحقيقة!
كان هؤلاء الموتى يعذبون الناس في حياتهم، ويأكل الحقد قلوبهم، ويسرقون ويغشون ويرتكبون كل خطيئة. . . هؤلاء الآباء الطيبون، هؤلاء الزوجات المخلصات، هؤلاء الفتيات العفيفات، كل أولئك كان يكتب على قبره في وقت واحد الحقيقة. . . الحقيقة المفزعة التي كان يجهلها أو يتجاهلها كل إنسان حينما كانوا في حياتهم الدنيا. . .
وقد اعتقدت بأنها هي الأخرى لا بد أن تكون قد كتبت شيئاً على واجهة قبرها. فسرت بين صفين من القبور المفتوحة إلى قبرها غير خائف، تأكدت من وجدها وعرفتها حالا. وعلى