آخذة في سبيل الاضمحلال والتلاشي، فقد قرَّب ما بين مختلف الأمم انتشار الأفكار الديمقراطية وتوطد الحكم الديمقراطي. ولئن اصطحب ذلك تعديل في القواعد الخلقية، وبخاصة بعد أن شاع مبدأ التساوي بين الجنسين، فإن التأمل الحصيف يوجب سلوك مسلك متشابه بين هاته الأمم قائم على اعتبارات إنسانية أساسية، وإن الذي يدرس هذا الموضوع الخاص الذي نشتغل بدراسته الآن ليدهشه اتفاق المظاهر أكثر مما يسترعي نظره اختلاف البيئات المحلية أو الاعتبارات الأهلية في موضوع التحقيق الذي بدئ به في جلاسجو وختم في بودابست.
ومن أهم ما يلاحظه الناظر في هذا الموضوع عن بعد أن الدعارة في أوربا الغربية قد تطورت في مدى القرون القليلة الماضية على نظام واحد بين أممها المختلفة. وليس ذلك بدعاً، فإن مدى انتشار هذه الرذيلة مرتبط بمقدار اتساع المدن لأنه بعض ظواهر المدنية، وقد كانت المدن في أوربا الغربية في العصور الوسطى كلها مدناً صغيرة. أما المدن الكبرى في تلك العصور فقد كانت كلها إسلامية، فقد كان عدد السكان في كل من القسطنطينية وبغداد والقاهرة يربى على المليون. وكانت كل من اشبيلية وقرطبة تربو في عدد سكانها على نصف المليون في حين كانت باريس لا يكاد يصل عدد سكانها إلى ٢٠٠. ٠٠٠ وفينا ٥٠. ٠٠٠ ولوندرا ٣٥. ٠٠٠ وكولوتيا ٣٠. ٠٠٠ وهامبورج ١٨. ٠٠٠ ودرسدن ٥. ٠٠٠. أما المدن التي لا تتصل بمواصلات مائية فلم يكن عدد السكان في إحداها ليزيد على٢٥. ٠٠٠. وكثير جداً من المدن التي تعتبر الآن ذات أهمية لم يكن عدد سكانها في القرون الوسطى يزيد على ٥٠٠٠. وما من شك في أن اتساع المدينة يؤثر في صبغة مدينتها ويكيف طبيعتها، فإذا نظرت إلى تاريخ الدعارة في أوربا في القرون الوسطى وجدت أن معظم مدنها إذ ذاك لم يكن إلا قرى يعرف بعض أهلها بعضهم الآخر، وكان كيان الأسرة لا يزال سليماً. ولقد يقال إنه كان في المدائن غرباء كالصليبيين والججاج والجيوش ولكن جموعهم لم تكن كثيفة وعلى أية حال فقد كان الغرباء معروفين كذلك كالأهلين. وكانت الدعارة في العصور الوسطى ذات نوعين أساسيين: نوع مستوطن ونوع متجول. أما الأول فيشمل العاهرات المقيمات أو المترددات على مساكن معدة للدعارة، وقد لا تكون الإقامة على صورة نظامية وهذه البيوت تدعى بالمواخير. وأما النوع