الثاني فكان من المتشردات اللواتي يلحقن على صورة غير رسمية بمعسكرات الجيوش التي كانت في تلك العصور كثيرة التجوال في القارة. أو اللواتي يلحقن كذلك على صورة غير رسمية بالطبع برجال الطوائف الدينية المجتمعين في تجوالهم الموسمي وفاء منهن لنذور نذرنها. ولكن على أية حال فإن العاهرة كانت امرأة موسومة في العصور الوسطى التي امتازت بقلة عدد السكان في مدنها وما كان لينتفي هذا الموسم سواء بين المستوطنات أو المتجولات. وحتى لو أن إحداهن كانت تزاول رذيلتها سراً فسرعان ما تتلوث سمعتها وتوصف بالخطر، وبخاصة إذا كانت محترفة لأنها في هذه الحالة تكون مميزة بشكل ثيابها ومظهرها ومسكنها وطبيعة حياتها الخارجية، وكان الفارق في العصور الوسطى شديد الوضوح بين المرأة الشريفة والمرأة الداعرة.
أما في العصور الحاضرة فالتناقض بَيِّنٌ من هذه النواحي فالمدن كبيرة وقد أضيفت إليها لأغراض عملية ضواح تقوم منها مقام الحواشي المزركشة، فالفرق المتعلقة بالكمية بين المدينة في العصور الوسطى وبين المدينة في العصور الحديثة قد رتبت فروقاً متعلقة بالكيفية في أمر البغاء.
في أواخر عهد بابل أصبح نظام الأسرة يسمح بأن يتصل بها ألوف من الناس تتفاوت درجات الصداقة بينهم كما يختلف الشعور بالمسئوليات نحوها وفيهم الفتيات والفتيان ومعظمهم في ظروف تقضي على الأخلاق بالانحلال
ولقد أصبحت المدن الكبرى في العصور الحديثة في حالة أشد تعقداً بسبب المهاجرة إلى باريس وبرلين ولوندرا إما للاتجار وإما للهو وإما للشغب.
أما في الأوساط الضيقة المحيط فإن كيان الجماعة فيه لا يزال على سذاجته، فإفراد هذا المجتمع معروف بعضهم لبعض ومطالبهم المشتركة ومثلهم الأخلاقية العليا تخضع لتقاليد واحدة أو متقاربة من شأنها أن تسيطر على الأعضاء الضعفاء من هذا المجتمع. وفضلاً عن ذلك فإنه مهما يكن وصف هؤلاء الأفراد فإن بعضهم معروف لبعض.
وأما في المدن الحديثة، وكل منها بابل عصرية وهي التي أتحدث عنها الآن، فإن الفرد فيها لا يعرف جيرانه الأدنين. وهنا تشتد وسائل الإغراض بقدر ما تضعف وسائل الكبح والمنع فالأحوال ليست تقف عند الحد الذي يقل فيه الشعور بالمسئولية بل قد تصل إلى حد