أن يطالب أباه ببذلة جديدة؛ فهذا (الشورت) الأصفر وذاك القميص (الكاكي) لا يصلحان مطلقاً لطلبة السنة الثانية الأبتدائية، ثم هذه الريشة. . شد ما يسره أن يجد مكانها قلما من الأبنوس، فهذا وحده هو الذي يلائم السترة الجديدة. . ثم هذه الحقيبة التي صنعتها أمه من القماش ليحمل فيها الكتب. . إنها تكاد تكون الوحيدة بين حقائب التلاميذ الجلدية الفاخرة!
يا له من يوم ذلك الذي يلبس فيه السترة الجديدة وقد ظهر من جيبها طرف القلم الأبنوس وهو يحمل في يده الحقيبة الجلدية الفاخرة ويسير في خطوات مدلة بين التلاميذ!
وأسرع في خطواته حين رأى في الطريق رجلاً يشبه أباه إلى حد كبير حتى لقد ظنه إياه. . وحين إقترب منه أدرك أنه ليس أباه. . وتأكد من الفارق بين هذه الرجل وبين أبيه. . إن أباه يتميز بتلك الأبتسامة الحنون المشرقة التي ترف على ثغره حين يرى وحيده (صلاح)، وبتلك النظرة الحانية الرفيقة التي تزف إلى قلب صلاح أبهج المشاعر وأنضر الأحاسيس. .!
وشعر بسعادة خفية تتسرب إلى وجدانه حين تذكر أباه. . وراح في شرود لذيذ يستعرض بعض الصور في كتاب الذكريات. .!
أنه يذكر أن أباه أخذ مرة إلى المصنع الذي يعمل به، وأن مدير المصنع إستدعاه يومذاك إلى مكتبه، وأنه إصطحبه إلى المكتب. وحين خرجا معاً من مكتب المدير بادر صلاح أباه:
- أرأيت مكتب المدير يا أبي؟ إنه جميل. أرأيت صورة الملك المعلقة على الحائط؟. إنها كبيرة وأنيقة. . .
ويذكر أن أباه رد على تساؤله في صوت حنون حالم. . . أرجو أن أعيش حتى أتمم تعليمك وأراك موظفاً كبيراً تجلس إلى مكتب كبير. . . ثم تابع وهو يربت على كتفه. . . وفوق رأسك صورة للمليك! وهل في مقدوره أن ينسى تلك السهرات الجميلة في مقهى الدنيا الجديدة في أمسيات الجمع. . . لقد كان أبوه يصطحبه في تلك الأمسيات ليسهر معه؛ وإذ ذاك يشتري له من أنواع الحلوى وطرائف اللعب ما يشيع في نفس صلاح الغبطة والمسرة. . . حقاً إن أباه يحبه وأنه سوف يسر كثيراً حين يقرأ تلك العبارة الحمراء التي يحس صلاح كأنها تاج غير منظور يتألق على جبينه. . . وأسرعت خطواته حين إقترب من البيت. . . وقرر في نشوة خفية أن يقرأ تلك العبارة الحمراء إذا كان أبوه لم يحضر