يتألق نجم بعضهم وتسبغ أسماؤهم فيما بعد على المكان كثيراً من رنينها وشهرتها. فمثلا نجد اسم (المقهى الإنكليزي)(كافيه أنجليه) الذي سطع في باريس في أواخر القرن الماضي يقترن بأسماء كثير من أعلام السياسة والتفكير والأدب في هذه الفترة، وفيه بزغ مجد الكثير منهم
والخلاصة أن الفنادق والمقاهي التاريخية تستحق أن تؤرخ كما تؤرخ الهياكل والصروح الأثرية، وإذا كانت الهياكل والصروح العظيمة تجد دائماً من يتصدى لدراستها وتاريخها من النواحي الأثرية والفنية، فإن الفنادق والمقاهي تستحق أن تدرس من وجوه أخرى تمت بأكبر الصلات إلى تاريخ المجتمعات التي تقوم فيها، وتاريخ الأخلاق والعادات الشعبية، وهي وجوه لا تخفى أهميتها. ولقد قرأت منذ أعوام في إحدى الصحف الفرنسية عدة مقالات شائقة لأحد مشاهير الكتاب (حياة مقهى باريزي عظيم) فأعجبت بطرافتها وتلاوتها وودت لو أننا نستطيع أن نقدم إلى قرائنا مثل هذه الصور الاجتماعية الساحرة. ورحم الله مؤرخنا الكبير تقي الدين المقريزي إذ فطن منذ خمسة قرون إلى أهمية هذه النواحي الاجتماعية في حياة الأمصار العظيمة فأنفق أعواماً طويلة من حياته في دراسة الأحياء والدروب والصروح والمعاهد والمنتديات الاجتماعية، وقدم إلينا في (خططه) مجموعة من الصور الاجتماعية والشعبية لمدينة القاهرة حتى عصره ولم ينس الفنادق والمقاهي التاريخية