إنشائه منقوشاً على ما يقدم إليك من آنية الطعام، فيذكرك دائماً بعمره المديد وماضيه الحافل؛ والثاني مثل (منزل الطرب) الشهير في حي براتر، وقد أنشئ في أوائل القرن السادس عشر، ولا يزال يقوم حيث هو؛ وهو اليوم مطعم ومرقص، ولكنه كان من قبل منزل راحة ورياضة ملكيا؛ وقد بدأ حياته الجديدة من نحو قرن وكان خلال القرن الماضي مسرحاً لعدة من الحوادث الاجتماعية الشهيرة، وكان بالأخص منتدى محبوباً للأرشيدوق رودلف فون هبسبرج ابن الإمبراطور فرانز يوسف وولي عهده، يقصده مع صحبه لقضاء السهرات المرحة، ولا زالت ذكريات هذا الأمير المنكود الذي زهق في ريعان شبابه في ظروف غامضة، ماثلة في هذا البهو الأنيق تطوف بزائريه، وتذكرهم بالمأساة الشهيرة التي اقترنت بمصرعه في يناير سنة ١٨٨٩م
وفي معظم العواصم الأوربية نجد أمثال هذه المنشآت تذكر السائح المتجول بالمناسبات والعصور التي قامت فيها، وتقدم إليه طائفة من الذكريات السابقة التي يلذ استعراضها وتأملها
وهذه المنشآت الاجتماعية القديمة فضلا عن كونها تزين العواصم الجليلة، تلعب في الواقع دوراً عظيماً في الحياة الاجتماعية الخارجية؛ وكثير منها يعتبر بحق نوعا من الآثار القيمة التي تجب المحافظة عليها لا من الوجهة الأثرية أو الفنية لأن معظمها يتطور ويتجدد من هذه الناحية مسايراً للعصر وللحياة، ولكن حرصاً على قديمها وعلى تراثها من الذكريات القديمة التي امتزجت بحياة المدينة وحياة الشعب. ولا زلنا نذكر بهذه المناسبة تلك الضجة التي قامت منذ أعوام في الصحف الفرنسية بمناسبة هدم البناء القديم الذي كان يشغله الملهى الباريزي الشهير المسمى (بالطاحونة الحمراء)(مولان روج) عندما أريد تجديد الشارع الذي يقوم فيه فقد ثارت الصحف يومئذ لهذا الأجراء وعز عليها أن يختفي هذا الملهى الشهير الذي امتزجت فيه ذكرياته الساحرة بالحياة الباريزية الليلية حيناً من الدهر، وأصبح من أشهر المنتديات الاجتماعية التي تجذب كل زائر لباريس
وفي معظم الأحيان تقترن أسماء هذه المنشآت الاجتماعية القديمة بأسماء كثير من الشخصيات التاريخية، فنجد مقهى أو منتدى معيناً يؤمه كتاب العصر وشعراؤه، وفي هذا المقهى يجتمعون ويتسامرون، ويكتبون وينظمون، وفيه تتفتح مواهب الكثير منهم، وفيه