ودونوا لهم آراء في ذلك وآسف أني لم أطلع عليها. وقد يجوز أن يكون هؤلاء قد عالجوا الموضوع من نواح عدة، وأظهروا رغباتهم الإصلاحية لهذا المعهد التاريخي الكبير في صور يرون فيها مهمته في العصر الحديث. ربما يكون بعضهم قد تناول مثلا تحديده كمدرسة عالية لفئة خاصة من الأمة يجب عليها قبل الالتحاق بها استيفاء شروط مخصوصة ودراسة إعدادية على نمط خاص أو غير ذلك من التنظيم والمناهج
ولا أريد أن أبحث الآن: كيف يكون الأزهر معهداً نظامياً كمعاهد الحكومة العالية، لأني لا أبغي أن يكون الأزهر على هذا النمط الآلي، وإنما أريد أن أبحث: كيف يتحول الأزهر إلى جامعة علمية حديثة مع الاحتفاظ بصبغته الماضية التي خولت له أن يكون هو المدرسة الوطنية الوحيدة في مصر في الوقت الحاضر بحكم اعتمادها على ثقافة الأمة الموروثة، والتي منحته صفة روحية باعتبار أنه المكان الأول في العالم الإسلامي للعناية بالدين ونشره، ثم كيف يكون الطريق العملي لذلك، إذ كثيراً ما كتب دعاة الإصلاح وكثيراً ما حاول القائمون بأمره أن يصلحوه، ولكنها كانت كتابة يغلب عليها الخيال، ومحاولة كان أساسها تقليد نظم مدارس أخرى: مدارس وزارة المعارف التي هي في نفسها أيضاً بناء مرقع رعوي فيه تقليد رسوم متباينة؛ وهذه المحاولة كادت تخرجه عن الغرض الذي يجب أن يكون له الأزهر والذي كان له منذ قرون مضت
وغاية الأزهر (أولا) تهذيبية علمية وطنية، لأنه يقوم بتربية جزء عظيم من أبناء الأمة ويعده فوق ذلك لتولي عدة مصالح في الشعب، لا يمكن تعويضها فيها، لها قيمتها في إصلاح نواحيه الخلقية والاجتماعية، وبالأخص في رعاية الأسرة التي هي الدعامة الأولى في بناء الأمة. و (ثانياً) دينية عالمية لأنه المرجع الأول لحل المسائل الدينية التي لها ارتباط وثيق بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية لأمم العالم الإسلامي والتي يتوقف تقدم تلك الأمم أو تأخرها بنسبة كبيرة على فهم الروح الدينية (الفقهية) أو عدم فهمها لهذه المسائل الحيوية
ومن يفكر أو يحاول أن يحمل غيره على أن يعتقد أن غاية الأزهر روحية بالمعنى الكنسي، فمبعث تفكيره هذا التقليد السلبي الذي طغى على النواحي العقلية في مصر الحديثة، ومنشأ محاولته جهل أو تجاهل بالتاريخ أو سوء فهم للإسلام وللأزهر ولأثره في