بن إبراهيم الإمام وجماعة من بني هاشم. فقال له المهدي: أنا أعطي الله عهداً لئن لم تهج واحداً ممن في البيت لأقطعن لسانك - وفي رواية لأضربن عنقك - فنظر إليه القوم، فكلما نظر إلى واحد منهم غمزه بأن عليه رضاه. . . قال أبو دلامة: فعلمت أني قد وقعت وأنها عزمة من عزماته لابد منها، فلم أر أحداً أحق بالهجاء مني، ولا أدعي إلى السلامة من هجاء نفسي، فقلت:
ألا ابلغ إليك أبا دلامة - فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً - وخنزيراً إذا نزع العمامة
جمعت دمامة وجمعت لؤماً - كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا - فلا تفرح فقد دنت القيامة
فضحك القوم ولم يبق منهم أحد إلا أجازه وما أحسبه رضى أن يسلك هذا المسلك في هجاء نفسه لمجرد التخلص من هذا الموقف الحرج الذي أوقعه فيه الخليفة المهدي، فقد كان في مكنته أن يحسن التخلص بما لا يؤذي نفسه أو يجرح كرامته، ولكن هذا النوع من الناس قلما يكترث بتلك المظاهر التي يقيم لها المجتمع أكبر الوزن، لأنه - لشدة صراحته - يصف حقائق نفسه مكشوفة مفضوحة. ولو ظننا أبا دلامة مغروراً يحسب أنه في الجمال بدر مشرق وهو مشوه كالقرد، قذر كالخنزير، فهل يمنع غروره الناس من وصفه بأنه جمع الدمامة كلها ما دامت أعينهم لم تكن تقع منه إلا على رأس كرأس الدب في ضخامته، وعيون كعيون الحرباء من الضيق، وأنف عارض في احديداب، وشفتين منتفختين من الغلظ، وعلى جسم مكتنز على قصر، وذراعين مرتخيتين من الشحم، وساقين مقوستين في تموج. . . وليس الناس عمياً فيحتجب عنهم هذا الجمال الساحر في تقاطيع هذا المخلوق العجيب! ولك أبا دلامة كان من الدهاء بحيث لم يفسح للآخرين مجالاً لوصف خلقه والشماتة به والضحك منه فأظهر الناس على حقيقة نفسه ليقطع عليهم سبيل السخرية اللاذعة التي تجد في دمامة المخلوق باعثاً على مواصلة التهكم والازدراء. وهذا الأسلوب الذي نهجه أبو دلامة في إظهار الناس على مدى بشاعته وفر عليه كثيراً من مفارقات غلاظ القلوب، ومن سخافات صلاب الافئدة، إذا ما كانوا ليجدوا في هجائه وصفاً لدمامته أعنف من وصفه. والإنسان إذا سمع ما حكم به على نفسه رضى بحكمه، وإن سمع ما حكم