أعز ما يملك، ألا وهو سمة رجولته وعنوان شجاعته، فتحتال عليه حتى يحلق لحيته. ثم لا يكون جزاؤه منها إلا التأبي، لأنها لا تريد غير عنترة القوي! ويذهب عنترة إلى فارس وتطول غيبته هناك ويجد الأمير في غيابه منفذاً إلى قلبها، فترضاه خاطباً إن جلب لها مطلبها المرهق من النياق العصفورية. فيرحل هو الآخر في طلبها. ولكن نعىّ عنترة يأتيها فتبكي فيه حبها؛ بل تبكي فيه الطبل الأجوف الذي ينشر أحاديث حبها؛ وسرعان ما تسمع بمقدم الأمير فتخف لاستقباله مراعاة لأدب الضيافة. وأدب الضيافة أحد سيوف المرأة الفواتك. ولكن عنترة لم يمت، فقد عاد إليها من (فارس)، بقلب جديد، لا يؤثر فيه نسيم الصحراء، ولا يسبيه حديث الغرام، ولا يأسره سحر العيون. . . عاد عنترة المدني الجديد. . . فتحتال لاسترجاعه، ولكن كيف، وقد تفتحت عينه على ما لم يدر من الدنيا، فتثور فيها الضغينة على قوتها المفقودة. وإذ ذاك تعد له الطعنة النجلاء، بأن تعيده إلى رقها بما تملك من وسائل، ثم تولى عنه انتقاماً، ويتم لها ذلك، فتطعن عنترة الذي حركت في قلبه الهوى، وتنحاز إلى خطابها الأمير، معتذراً من مداعبتها له بأنها كانت تلهو معه، ولصدقت لقالت (كنت ألهو به)!!
وتزف إلى الأمير وإن قلبها لضائق به. وما أن يعرض لها ركب عنترة، حتى تغري أميرها بنزاله، وتدفعه بيدها إلى الموت بسيف عنترة. ثم تعود لتنظر إليه، وقد أصبح سيد الموقف، وتغنُّ له النداء كما كانت تغنه. فتنسيه ما كابد بسببها من هوان، وما تجشم من أخطار، ويعود إليها منصاعاً مغلوباً على أمره. . . فأي شجاعة في قلبه هذا البطل المقحام. وما غناء شجاعته إذا كانت الحرب بينه وبين حواء!!!
لقد استطاع تيمور بحق أن يعرض لنا صورة عارية للمرأة، تلك التي تلعب بالرجل لتعوض به نقصها، بل لتسلبه قوته نفسها، وهو هو المطية الذلول، سواء أكان أشجع الشجعان أم أهو من أهل الهوان، كل هذا في أسلوب شائق جذاب، وحبك محكم يستحق عليه تهنئة الناقد وتقدير الأديب.