من هذه الزواية نظر تيمور إلى تلك القصة. فلم تكن عبلة غير امرأة، امرأة من بنات حواء، بل قل إنها حواء نفسها؛ حواء التي مدت يدها إلى آدم بالكأس المرة اللذيذة منذ بدء الخليقة، فتجرعها مستلذاً مرارتها. ولم تزل تمد له يدها ولم يزل يتجرع الكأس ويستلذها، وليس يعنيها من أمره إلا أن تراه أمامها، بل وراءها، بل محيطاً بها من كل أقطارها. تحاربه لتحارب به وتدنيه لتصل به إلى غايتها، ثم تقصيه لتشبع غرورها بلذة سعيه إليها، غير باخلة عليه بكلمات الحب والإخلاص، ودموع العطف والرثاء. فمن هذا المزاج تملأ له الكأس المرة اللذيذة، التي يتجرعها مستلذاً مرارتها. فما هو الدافع الخفي الذي يقف المرأة من الرجل هذا الموقف؟؟ بل الذي يوجه غرائزها وأطباعها إلى ذلك. أرادت أو لم ترد؟؟
إن المرأة تعبد القوة وتهيم بها - قوتها هي - تلك الهبة التي حرمتها منها الطبيعة فكان لزاماً عليها أن تلتمسها في غيرها ثم تفرض نفسها على ذلك الغير لتكون هي الدافعة والمحركة، فهي القوة وهو آلتها، أما وسيلتها إلى تحقيق تلك القوة أو أخذها قسراً من الرجل، فهي شباك الطبيعة المعطاة لها من جمال ودلال، تتلمس بهما إعجاب الرجل، لتفرض عليه شخصها فإن بطل إعجابه بها فقد انهارت قوتها، وحق لها أن تغدر وأن تخون
ونتلمس مدى صدق هذه النظرية في عبلة فنراها تحب عنترة القوي بجسمه وروحه، مفاخرة بنات حيها بذلك الحب. فهي (عن عنترة أخذت بلاغة الشاعر) ثم هي مفتونة به، لأنها لا تجد سواه (من يحمي الذمار ويذود عن الحمى) ولكنها كما قلنا تحب القوة في نفسها، فلا بد أن يكون عنترة لها تبعاً، ومن هنا جاز أن تدفعه إلى المخاطرة بمصاولة الضرغام، ليأتها بجلده. والويل له إذا لم يأت به. لأنها لا تعرف إذ ذاك (ماذا تقول لنساء الحي إذا هو عاد صفر اليدين). فنفسها وغرورها وفرض شخصيتها هو همها الأول.
ولكن للقوة مظاهر غير الشجاع. فهناك قوة الجاه والثراء تعرض لها متمثلة في شخص الأمير (عمارة الكندي)، الذي يزور الحمى فتلاقيه عبلة يدفعها الحنق عن غياب عنترة، وتأخذ في ملاطفته، حتى إذا ما عاد بطلها حاملاً إليها جلد الضرغام نسيت الأمير وجاهه، لأن غرورها وجد وقوده. ولكنها تريد أن تتأكد لنفسها من أنها تستطيع استلاب هذا البطل