التشويق على النكتة المعتمدة. . . ومن هنا كانت هذه المسرحية بدء النقلة الجدية في حياتنا الفنية، والاتجاه بها وجهة سامية.
ونعود إلى المسرحية فنقول أنها موضوع وعلاج، ثم عرض وإبراز. أما الموضوع والعلاج فمن عمل المؤلف؛ وأما العرض والإبراز فمن عمل المخرج والممثل، ونبدأ حديثنا بالموضوع، وكيف عولج.
تدور المسرحية على قصة عنترة وعبلة، تلك القصة التي انحدرت على ألسنة الرواة من أغوار الماضي، ولا تزال شائعة على ألسنة الناس. فعنترة شاعر فارس تيمه الحب، فلم يعد يرى من الدنيا غير محبوبته، يهجر من أجلها الديار، ويركب في سبيلها الأخطار، ويرضى إكراماً لها بالهوان وإن كان أشجع الشبان. وعبلة حسناء بدوية، امتلأ قلبها بالحب لفارسها الأسود زهدت وفاء له في نعيم الحياة، وانتظرت الهناء في ظله وحده دون الناس جميعاً.
فماذا فعل تيمور بتلك المادة التي تقدمها إليه أقاصيص الرواة بيد جامدة في قفص صلب من جلال الماضي.
لقد ارتفع تيمور بالقصة على أوضاع الزمان والمكان والحادث الخاص، فجعل منها قصة إنسانية عامة، دائمة الحدوث ودائمة التجدد، غير متقيد بما يروي عنها من أخبار فالحادث لا يعنيه، وإنما تعنيه دلالته، وذاتيته لا تهمه، وإنما تهمه إنسانيته. . . فالفرد عنده وحدة تتركز فيها أهواء الإنسانية كلها، بل أنموذج صادق لنوازع النوع البشري عامته، على شتى تباين هذه النوازع. فالمسرحية إذا من مسرحيات النماذج البشرية، التي لا تعرض الأشخاص بخصوصياتهم ولكن بدلالاتهم الإنسانية. تلك الدلالات التي تهيئ لها نوزاع أصيلة واغلة في أعماق النفوس. بدأت مع الناس منذ بدأ الخليقة، وصاحبتهم في موكب الحياة، وستظل لهم مصاحبة أبداً، تلبس لهم كل لباس، وتتبدى لهم في كل لون.
فهي في البادية حيية خجولة، تضع نقابها وعينها من ورائه فاحصة وهي في المجاهل مروعة نفور تستتر بأوراق الشجر، ونفسها مشرئبة متطلعة. وهي في المدينة الحديثة متبرجة سافرة وحيلتها حاضرة عاملة. . . إنها هـ هي، في الماضي، والحاضر، وستكون هي عينها في المستقبل، فهي حوا التي لا تحول، حواء الخالدة.