توافت عليها العبر وتكررت عليها الشواهد وصح بها الاستدلال.
لكن الثقة بالسلف ليست هي الثقة الوحيدة في مقام الاستشهاد، ونحن نؤكد الرأي بإسناده إلى زعيم موثوق بعقله وصدقه كما نؤكده بالإسناد إلى الآباء والأجداد.
ولهذا يجوز أن يصدر المثل من الجيل الحاضر للجيل الحاضر، ويجوز أن ينهض الزعيم الموقر بين قومه فيتخذ له شعارا يجري بينهم مجرى الأمثال ويكررونه في مقام الاستشهاد والاستدلال.
ولا شروط لشيوع المثل تكفل له البقاء على سبيل الحتم والإلزام، فإن شيوع المثل لا يتأتى بإرادة واضعه ولا بإرادة مروجيه، وإنما يتأتى بشيوع الحاجة إلى تكراره ارتجالا بغير روية ولا اتفاق، فتسقط أقوال كثيرة مع بلاغتها، لأنها لا تخطر على البال في اعم المناسبات وادعاها إلى الاعتبار، وتسري أقوال كثيرة مع بساطتها لألنها تخطر على البال في كل مناسبة وتعبر عن (الحالة) في نفوس قائليها والمستشهدين بها.
ولكن الملحوظ في جميع الأمثال السارية أنها تجمع بين السهولة والبساطة ودواعي الشعور المشترك بين العديد الأكبر من جملة الطوائف والطبقات، وإن الحكم للمصادفة فيها أقوى من الحكم للموازنة والاختيار.
وقد تنسب الكلمة إلى زعيم فتشيع لأنها نسبت إليه وهو لم يفه بها ولم يقصد بها قط ما قصده المرددون والمستشهدون، ومن أمثلة ذلك أن عامة المصريين يقولون في بعض المناسبات: سعد باشا قال: (مفيش فايدة. . .)
وسعد باشا لم يقل هذه الكلمة في المناسبات التي يريدونها، وإنما قالها عدلي باشا بالإنجليزية على مسمع من سعد باشا واللورد ملنر فغضب منها سعد وأنكر أن يعدل المتكلمون عن اللغة التي كانوا يتكلمونها إلى اللغة الإنجليزية ليقولوا بها عن مناقشته ما معناه بالعامية:(مفيش فائدة).
إلا أن الكلمة كان لها شأن خطير في السياسة المصرية، وعرف عامة المصريين ما كان لها من الأثر في علاقات الزعماء والعلاقات بين مصر والدولة البريطانية، ونسوا مناسبتها ولم يذكروا إلا كلمة (مفيش فايدة). . . وإن سعد باشا قالها ونقض يديه من المحادثات الملنرية في ذلك الحين، فسارت مثلا لأنها سجلت (حالة) من حالات زعيم كبير، وهي