للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حالة قابلة للتكرار في كل يوم، فليس أكثر من الحالات التي تنفض منها اليدان ويرفضها المرء مغضبا وهو يقول: (مفيش فايدة!).

على أن الأجيال تختلف في السليقة (المثلية) أو في السليقة التي تنشئ الأمثال وتجريها على الأفواه.

وربما كان العصر الحاضر من اقل العصور قدرة على تسيير المثل بعد إنشائه، واقلها قدرة على إنشائه قبل تسييره.

وترجع هذه الخاصة فيه إلى سببين: أحدهما أن توقير السلف فيه ضعيف، والآخر أنه عصر السرعة - بل العجلة - فلا يصلح من ثم لتدعيم الكلام بالشواهد والأمثال.

فأما ضعف التوقير في عصرنا لكل قديم، فهو من لوازم الجموح الذي اقترن بالحرية (الشخصية) وخلق لكل فرد من الأفراد اعتدادا بنفسه يخرجه أحيانا عن سلطان الجماعة أو سلطان القبيلة كما عرفوه ووقروه في الزمن القديم، ويصرفه عن التماس الشواهد مما قاله الأقدمون، لأنه لا يتوخى في أعماله أن توافق آراء الأقدمين، بل لعله يفخر أحيانا بتعمد المخالفة والشذوذ اغترارا منه بمعنى المخالفة والشذوذ، وهو القدرة على التحدي والاستقلال.

وأما علاقة السرعة بالأمثال، فهي ظاهرة من الفرق بين طبيعة الأحاديث التي يسترسل بها المتحدث إلى سوق الشواهد والأمثال، وبين طبيعة الأحاديث التي يخطفها المتحدث خطفا ولا يكاد يبدأها حتى ينتقل منها إلى موضوع منقطع عنها، فإن الجالس في المنظرة ليقضي السهرة كلها في قعدة واحدة يستطرد إلى المثل تارة والى العبرة تارة أخرى فلا تقع عند السامع موقع الاستغراب، بل موقع الانتظار والارتقاب.

ولكنه إذا جلس في مرقص الجازبند أو في رحلة السيارة أو في القهوة التي تموج بالداخلين والخارجين فآخر ما يخطر على البال أنه يسترسل بالحديث إلى سوق الشواهد وضرب الأمثال.

وتظهر علاقة السرعة بالأمثال في معرض آخر من معارض اعصر الحاضر، وهو معرض التفرقة بين مناسبات الكلام في محافل أوعظ والتعليم ومناسبات الكلام في الصحف والمجالس النيابية وأحاديث المذياع وروايات المسارح والصور المتحركة. فهذه كللها تتجدد

<<  <  ج:
ص:  >  >>