ومع ذلك فليحتمل المعلمون عنت الأستبداد، وليكونوا من البطولة والشجاعة، بحيث لا يكون في الناس أبطال غيرهم، بل ينعى شوقي على (شجعان العقول) قلتهم بين الشجعان، ممن تصرعهم دنيا المستبد، ويستعذبون (فيها العذاب وبيلا).
ولا غرو إذا كان المعلمون أحق الناس بحمل الأمانة في سياسة الناشئين، وتعليم الشباب المأمول لرفعة الوادي وإعالة شانه.
وأمير الشعراء في هذا المضمار صاحب فلسفة، لها مبرراتها ودواعيها، ولها منهاجها وغايتها، فإذا تساءلنا: ما هي الرسالة التي يريد شوقي للمعلمين أن يؤدوها؟ أهي العلوم والفنون وما تتطلبه الحضارة الحديثة من ضروب العرفان؟ أم هي الفضيلة التي هي قوام الفرد والمجموع؟ أم في شيء آخر غير هذا وذاك؟
وهنا تحتل الطرافة مكانتها من فلسفة شاعر المعلمين إذ أنه لا يبعد عن الفلك الذي يدور فيه، ولا يستلقي للتيار الجارف لأفكار العامة، كما أنه لا يرضى لنفسه أن يكون من أولئك الذين يجترون غذاء من سبقوهم.
آية ذلك، أنه ما دام الجهل والجهلاء سبباً في استبداد الطغاة، وضياع الأمم، وما دام الاضطهاد قد لازم الفلاسفة والدعاة والمرسلين، فلا غرو أن يكون (العدل) أولا وبالذات هو الرسالة الأولى التي يجب على المعلمين الاضطلاع بها
ربوا على (الإنصاف) فتيان الحمى ... تجدوهمو كهف (الحقوق) كهولا
فهو الذي يبني الطباع (قويمة) ... وهو الذي يبني النفوس (عدولا)
ويقيم (منطق) كل أعوج منطق ... ويريه رأيا في الأمور أصيلا
وإذا المعلم لم يكن (عدلا) مشى ... وروح العدالة في الشباب ضئيلا
من هنا كان شوقي صاحب فكرة أصيلة، وزعيما من زعماء الرأي في الإصلاح الاجتماعي. ونقلوها في غير حرج أنه في هذا الباب أقرب إلى الفلاسفة منه إلى الشعراء، بل أنه باتخاذه هدفا لا يحيد عن التصويب إليه، والحرص على تدعيم جوانبه، يعد فلتة من فلتات النبوغ، لم نعهد مثيلاً له في تهاويل الشعراء، ولا في مدارج الفلاسفة.
وفي الحق أنه سلك بتأمل الشاعر، نهج الفيلسوف وإلا فكيف يصح في الأذهان أن نطلب من المعلم جيلا سليما كاملا متكاملا، والمعلم نفسه موزع القوى، مشتت الملكات،؟ وهل