الفضيلة إلا العدالة؟ وهل العدالة إلا وسط بين إفراط وتفريط؟
لهذا كان إعداد المعلم أول مطلوب:
ورب معلم تلقاه فظا ... غليظ القلب أو فدما غبيا
إذا أنتدب البنون له سيوفا ... من الميلاد ردهمو عصيا
إذا رشد المعلم كان (موسى) ... وإن هو ضل كان (السامريا)
هذه هي مؤهلات المعلم لحمل الرسالة المنوطة يه. وعلى صاحب الرسالة أن ينهض بين العواصف والزوابع، وعليه أن يحتمل كل ما سيلقي في سبيلها، بل من حقها عليه أن يكون إيجابيا لا سلبيا، فإذا طغى الظالمون قلوبهم، وإذا استحكم الظلم ناضل وكافح حتى يهزمه، رائده الجهر بالرأي، في حرية وطلاقة:
ورب تعلمين خلوا وفاتوا ... إلى الحرية انساقوا هديا
أناروا ظلمة الدنيا وكانوا ... لنار الظالمين بها صليا
وإذا لم يكن المعلمون وراد الحق، وضحايا الحرية، فماذا بقي لهم من مهمة؟ وليس شوقي ممن يلقون القول على عواهنه، ويضربون في الخيال إلى المثل الصعبة والمعاني الجامدة، لذلك لم يكلف المسلمين شططا، ولم يطلب إليها أداء ما لا يطيقون: فإنه ليعلم أن الأمهات في البلاد المتحضرة بما عندهن عن ثقافة واستعداد يساعدن المعلمين على مهمتهم في التربية، وبذلك يكون الناشئ وديعة مشتركة بين المنزل والمدرسة، وما كذلك الحال في مصر، لهذا هو يعذر المعلمين، ويرى عبئهم ثقيلا، وعملهم شاقا إذ فقدوا من يعينهم على الاضطلاع به:
وجد المساعد عيركم وحرمتمو ... في مصر عون الأمهات جليلا
وإذا النساء نشان في أمية ... وضع الرجال جهالة وخمولا
ويضع شوقي للمعلمين (خط السير) الذي يتبعه الناشيء من بيته حتى يصير مواطنا نافعا، يشارك في مجتمعه إذ يقول:
فرب صغير قوم علموه ... سما وحمى المسومة العرابا
وكان لقومه نفعا وفخراً ... ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلم ما استطعت لعل جيلا ... سيأتي، يحدث العجب العجابا