الضروري أن يكون لفظا مخلوقاً فقد يوحي إلى من يشاء من عباده بكلام نفسي ينكشف به المراد من غير واسطة كما في آية إسراء النبي، وقد يكلم فعلا بألفاظ يخلقها ولكن من وراء حجاب، كما في مناجاة موسى؛ وقد يرسل ملكاً أو رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء. والقرآن بهذا المعنى الثالث كلام الله الأزلي القديم ولفظه مخلوق لا يتعدى نصيب البشر فيه الحروف المكتوبة بإذنه - بمعنى أنه قديم معنى ومحدث لفظاً. وقد ذهب المعتزلة والاشاعرة مذهباً متضاداً في هذا: قال المعتزلة إن الكلام فعل المتكلم، وأنكر الاشاعرة ذلك. فانتهى هؤلاء إلى أن الكلام هو اللفظ، وأن القرآن حادث؛ وأولئك إلى أن الكلام النفسي أي المعنى المراد قديم أما اللفظ الدال عليه فحادث. وقد رأينا أن ابن رشد إلى الأشاعرة أميل وإن كان ليقرر أن بعض الرأيين حق وبعضه باطل. والسمع والبصر أخيراً من مقتضيات العلم الكامل أيضاً لأنها وسائل بعض المدركات الحسية التي لا يتم العلم إلا بها والتي تسوغ عبادتنا لعاقل مدرك جدير بالعبادة. وسواء أكانت هذه الصفات كلها زائدة عن الذات (بأن كانت معنوية) كما يقول الاشاعرة أو كانت هي والذات شيئاً واحداً (فيسميها حينئذ نفسية أي غير مفارقة) كما يقول المعتزلة، فالذي يجب على الجمهور أن يعلم من أمرها هو مجرد الاعتراف بوجودها؛ وهو ما صرح به الشرع في نظر ابن رشد.
أما الفصل الرابع ففي الصفات التي يجب تنزيه الله عنها أي الترفع به عن أن يتصف بها. والآيات التي ذكرها المؤلف هنا يريد بها نفي مماثلة الله للحوادث أي نفي صفات المخلوقات عنه أو جعلها فيه على جهة أخرى بأن تكون أتم وأكمل؛ يجب أم تلموا بهذه الآيات الدالة على هذا النفي بقسميه:(وأجب دعوتي فإني لك ناصح أمين. . . وأذكر - أخيراً - حبك الماضي، وأيامك الجميلة، وذكريات السعيدة. . . وأذكر أولادك، فلذات كبدك، وأشعة روحك. . .) نفي النقائض القريبة كالموت والنوم والنسيان والخطأ؛ والبعيدة التي ترجع إلى أن (أكثر الناس لا يعلمون) كالقدرة والإرادة مما هو مشترك بين الخالق والمخلوق ولكنه في الخالق أكمل وأتم. أما الصفة الجسمية وإن كان مسكوتاً عن نفيها أو إثباتها، وبرغم الآيات التي صورتها للحنابلة وغيرهم من هذا النوع الثاني؛ فإن ابن رشد يرى أن لا يصرح فيها بنفي أو إثبات لأدلة ثلاث واضحة ذكرها هو (ص٦٢ - ٦٣) يؤدي ثالثها إلى مسألتي الرؤية والجهة. وكذلك الحركة فيما يتعلق بموقف الحشر والحساب