شغلت منه كل موضوع ومنفذ وملكت عليه جميع مشاعره، واستهلكت في سبيلها جميع مواهبه وقواه وتفكيره وذكائه، وخلقت في الإنسان نفسية لا تؤمن إلا بالمحسوس ولا تفكر إلى في اللذة والهناءة والسعادة الدنيوية ولا تهتم إلا بهذه الحياة ومطالبها الكاذبة التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي إنما فرضها على الإنسان الحياة المزورة والمجتمع الفاسد والتجارة الجشعة.
كيف يحل في هذه المادية الدين الذي أساسه الإيمان بالغيب وإيثار الآخرة على العاجلة الذي يقول (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون) والذي يقول (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) والذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) ويقول (حفت الجنة بالمكاره)
إذن فالمادية في هذا العصر هي علة العلل وعدو الدين الألد ومزاحمه الأكبر، وأن أوربا هي زعيمها الذي تولى كبرها ووكرها الذي تطير منه وتأوي إليه وفيه تبيض وتفرخ.
فأين ذلك البطل الذي يمثل قصة الآدمي مع الجني على مسرح التاريخ والواقع؟؟